لو قرأت كتابه أبى آدم، لما تصورت أن الذى كتب هذا الكلام.. هو نفسه الذى دخل فى عراك فكرى.. امتد إلى تقطيع الهدوم مع د. نصر حامد أبو زيد.
وقتما نشر د. عبد الصبور شاهين كتابه "أبى آدم".. هاجمه كثير من رجال الدين، بعضهم قال إن الرجل عالم لغة، وإن الذى توصل إليه فى كتابه.. يخرجه بالضرورة من زمرة رجال الدين.
بعضهم قال إن الرجل صبأ.. ولو استمر الجدل فترة، لخرج من يطعن فى إسلامه تماما مثلما طعن د. عبد الصبور شاهين نفسه فى إسلام د. نصر أبوزيد.
فى كتابه أبى آدم قال د. شاهين إن سيدنا آدم ليس أبو البشر، إنما هو أبو الإنسان.. وإن أبو آدم هو الذى كان بشرا!!
قال د. شاهين أيضا إن البشر كائن شديد الشبه بالإنسان، لكنه لا يملك عقل الإنسان.. ولا كان عليه تكليف من الله.
فالبشر إنسان ليس عاقلا، أما الإنسان.. فهو بشر دخل طور الأنسنة.. ففكر وتدبر.. وأنزل الله له الكتب السماوية وبعث إليه الأنبياء ليهدوه صراطاً مستقيماً.
دلل د. عبد الصبور رحمه الله على نظريته بآيات من القرآن، فقال إن الملائكة التى لا تعلم الغيب سألت الله هل يجعل فى الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء؟
المعنى أن خلق آدم، الذى نفخ الله فيه من روحه فيما بعد، قد سبقه خلقا آخرون أفسدوا فى الأرض وسفكوا الدماء.. فى الوقت الذى كانت الملائكة فيه تسبح بحمده سبحانه.
فالملائكة لم تكن تستشرف الغيب عندما تكلمت عن الفساد فى الأرض، لكنها تكلمت مع الله عن خبراتها السابقة، لذلك قال د. شاهين إن المعنى الوحيد لتساؤلات الملائكة، كان ظنهم أن الخلق الذى قال الله إنه سوف يجعله فى الأرض خليفة له سبحانه.. سوف يفعل مثلما فعل الذين كانوا على الأرض قبل خلق آدم عليه السلام.
فقد خلق الله بشرا كثيرين قبل آدم عليه السلام.. ثم اصطفى منهم جيل "آدم"، فنفخ فهيم من روحه، فبدأوا يفكرون.. ويخترعون اللغة، وينظمون قوىً اجتماعية وأعرافا.. وأنزل عليهم التكليف الأول ألا يأكلوا من "الشجرة".
وفيما كان البشر قبل آدم عليه السلام "إنسانا أول".. سكن الأرض عددا طويلا من السنين، فإن نفخ الله الروح فيمن اصطفاه من هؤلاء، هو الذى حولهم إلى الأنسنة.. فتطور بنو آدم، بينما اختفى "جنس البشر الأول".
المعنى أيضا أن آباء آدم عليه السلام، لم يستطيعوا التأقلم مع الطبيعة، ولم يحفظوا جنسهم.. إما لغياب عقولهم، أو لعدم قدرتهم المنطقية على ربط النتائج بالمقدمات.. فلم ينجحوا فى انتخاب الطبيعة للعنصر الأفضل.. استمرارا للحياة.
داروين قال بالنظرية نفسها لكن رجال الدين لم يصدقوه.. وما فعله د. عبد الصبور شاهين رحمه الله أنه أوجد الحلقة التى قال داروين إنها مفقودة، فداروين لم يعرف حتى مات ما الذى حول "البشر" إلى "إنسان".. ولا لماذا حدث هذا؟
د. شاهين قال إنها إرادة الله.
داروين قال إنه لم يعرف أين عاش "البشر" الأولون.. د. شاهين قال: على الأرض.. وقال أيضا إن التحول من " البشر" إلى "الأنسنة" تم على كوكب الأرض أيضا، فلا خلق الله آدم فى السماء، ولا عاش أبو آدم فى السماء أيضا.
قال د. شاهين إن "الجنة" كانت رقعة ما على كوكب الأرض، فالجنة فى اللغة هى "المكان المختفى"، وفى اللغة أيضا إن "الجن" هو الشىء "المختبئ الذى لا نراه.. فيقول العرب: جن عقله.. أى اختفى واحتجب.. ويقولون: مجنون.. أو بلا عقل. ويقولون: جن الليل.. أى اختفى، أو جن الظلام على النهار.. فأخفاه. اجتهد استاذى د. عبد الصبور شاهين رحمه الله.. مع أنه عاب على د. نصر حامد أبو زيد اجتهاده.
فى حياته أطلق د. شاهين سهاما شديدة المراس.. تماما مثلما فعل د. أبوزيد.. لكن الفارق أن طبقة سميكة من رداء "رجال الدين" هى التى ساهمت كثيرا فى حماية د. شاهين رغم اختلافهم معه، بينما عاش د. نصر أبو زيد.. عريانا.. ومات كذلك.
تتلمذت على يد د. شاهين فى معهد الدراسات الإسلامية العليا.. رحمه الله أجابنى على كثير مما غمّ على، لكن السؤال الوحيد الذى لم يجبنى عليه: لماذا فعلتم ما فعلتم يا فضيلتك مع د. نصر أبو زيد؟
رحم الله شيخى.. وأستاذى.. اللهم أجره.. واغفر لنا وله.
*مساعد رئيس تحرير جريدة روزاليوسف.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة