حسنا فعل عندما تراجع الشيخ محمد حسان عن فتواه بأن الآثار "إذا كانت فى أرض تملكها أو فى بيت لك، فهذا حقك ورزقك ساقه الله لك ولا إثم عليك ولا حرج، وليس من حق دولة ولا مجلس، ولا أى أحد أن يسلبك هذا الحق، سواء كان ذهباً أو كنزاً".
ومن المهم إبراز بيانه الأخير الذى شدد فيه على عدم جواز التجارة بالآثار إذا عثر أحد عليها فى بيته أو حقله أو أى ملكية خاصة وتشديده على وجوب تسليمها للجهات الرسمية المختصة بالآثار.
لقد أصبح الشغل الشاغل لكل بيت فى الصعيد وبعض مناطق الدلتا، البحث عن الآثار وكنوز الأجداد تحقيقا لحلم الثروة، الكنز هو الحل فى زمن البطالة وغياب المستقبل أمام الشباب الذين يدفعون حياتهم ثمنا لحلم الهجرة غير الشرعية بحثا عن الكنز أيضا فى بلاد توازى العمل بما يستحقه من أجر.
البيت الذى يجد "المساخيط" فى الصعيد أو الدلتا لا يعود رجاله فى حاجة إلى السفر ومعاناة الغربة بحثا عن حلم الثروة، فورا يجدون التجار بانتظارهم يحددون القيمة، ويحملون الآثار إلى الخارج عبر مسارب تهريب تمر بيخوت الكبار وموانئ البحر الأحمر، إلى أضخم سوق للآثار الفرعونية غير المسجلة فى أوربا والولايات المتحدة.
وعلى مدى المائة سنة الماضية كان الصراع بين سلطة الدولة وبين حفارى قبور الفراعنة ومهربى الآثار حول من تكون له الولاية على الآثار المصرية، لحفارى القبور والمهربين الذين يبيعون كنوزنا التاريخية بملاليم لتتزين بها قصور الأغنياء فى الغرب، وتنتهى بعضها إلى من يحاولون تزييف التاريخ وإعادة كتابته لصالح وجودهم المشكوك فيه، أم تكون الولاية للدولة المنوط بها دراسة وترميم وحفظ هذه الآثار فى المتاحف التى تليق بها.
كان لابد من قطع شوط طويل لتغيير ثقافة القبيلة التى ترث الأرض والجبال بما عليها وما فى جوفها من كنوز، واستخدام بعض أفراد القبائل "الحفارة" فى التنقيب عن الآثار لصالح الدولة ، وتدريجيا استقر الوعى بالملكية العامة للآثار وعدم جواز المتاجرة بها أو التنقيب عنها، حتى حدثت الردة الأخيرة، التى ارتبط فيها التراجع الاقتصادى والفقر، بوجود غطاء دينى يحلل ويبيح التقيب عن الآثار فى البيوت والملكيات الخاصة.
لم يكن ينقصنا سوى مثل هذه الفتاوى التى تعيد إنتاج فتاوى طالبان، احفروا وإذا وجدتم ذهبا خذوه حلالا عليكم، أما إذا وجدتم " مساخيط فاطمسوها لأنها حرام.. ووداعا لسلطة الدولة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة