نتفق أو نختلف حول المسافة الواسعة بين سياسات الحزب الوطنى والجماهير، أو بين سياساته المعلنة والأداء الحكومى، لكننا لا يمكن أن نختلف حول الإنجازات الداخلية للحزب على مستوى إعادة التنظيم واجتذاب الكوادر والسيطرة على الشارع، بما يعنى الإطاحة بالمعارضة تماما من اللعبة السياسية للأسف الشديد، واقتصار الصراع السياسى على كوادر الوطنى.
إذا استثنينا النشاط الذى أضافه الدكتور سيد البدوى على "الوفد" بعد توليه الرئاسة، لابد وأن يطرأ على أذهاننا السؤال، أين ذهبت أحزاب التجمع والعربى الناصرى والأحرار، وماذا يفعل حزب الجبهة النشط إعلامياً، لقد كانت الأحزاب الثلاثة الأولى إلى جانب حزب الوفد فرسان رهان على إفراز كوادر سياسية قادرة على الحكم ومناطحة رجال الحزب الحاكم، وكان أنصار هذه الأحزاب فى الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات يتجاوزون مئات الألوف من النشطاء المؤمنين بأفكار وبرامج الأحزاب التى ينتمون إليها، ويحترفون العمل السياسى فى الشارع.
تدريجياً، تولت قيادة أحزاب المعارضة المشار إليها، رموز عمدت إلى تفريغ الأحزاب من الكوادر والنشطاء، حتى أصبحت أحزاب المعارضة مجرد دكاكين للنضال الإعلامى المجانى عبر صحيفة الحزب لا أكثر ولا أقل، لا أعضاء جدد، ولا تثقيف وإعلام بمبادئ الحزب، ولا انخراط فى الشارع خصوصا فى الأقاليم والأطراف، بالإضافة إلى الانشغال بالمكاسب الصغيرة وتصفية الخصوم الذين قد يشكلون تهديدا محتملا لرئيس الحزب، وتحولت الرئاسة فى ذلك الحزب المعارض أو ذاك إلى مهمة مقدسة لا يستطيع القيام بها إلا الرئيس الحالى للحزب حتى آخر نفس وعرق ينبض!
الغريب والمثير للغيظ أن الحزب الوطنى الحاكم الذى يحظى برفض عام فى الشارع المصرى، الوحيد الذى استطاع تحقيق ثورة داخلية، عبر تطوير العمل فى الشارع ومراكز التجمع المؤثرة، وجذب أصحاب التأثير والنفوذ على مستوى الجمهورية، وتكريس شعار، إذا كنت تريد أن تخدم أبناء دائرتك فلن تستطيع إلا من خلال الحزب الوطنى، هذا إلى جانب ابتداع نظام للسيطرة على الشارع بإقصاء المنافسين عبر تحويل الصراع السياسى والانتخابى إلى صراع وطنى - وطنى، أى بين المنتمين للحزب، الفائز فى جميع الأحوال، وهى النقلة الخطيرة التى لم يعد الحزب معها بحاجة إلى تزوير مفضوح فى أصوات الناخبين ليفوز بأغلبية مريحة.
أين أحزاب المعارضة فى كل ذلك؟ مجرد متفرجين وأصحاب مصالح يعدون على أصابع اليدين، يحيطون برئيس الحزب الملهم ليبحثوا، كم مقعدا سيفضل بها عليهم الوحش "الحزب الوطنى" مقابل أدوار الكومبارس التى يؤدونها فى البرلمان.
لا أعتقد أن مشكلة الشعب المصرى مع الحزب الوطنى، وإنما فى هدم أحزاب المعارضة وتفجيرها من داخلها بأجيال جديدة تعبر عن نبض الناس ومشكلاتهم واحتياجاتهم، بعيداً عن صفقات الشيوخ الذين يعبر عنهم كاريكاتير الفنان حجازى الشهير، رجل يحمل صندوقا مليئا بكلمة لا، ثم يصوت بكلمة نعم!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة