"بات مثل شمس الشتاء لا تشرق إلا لماماً" العبارة السابقة قالها الإعلامى الكبير حمدى قنديل عن الدكتور محمد البرادعى، وذلك أثناء حفل تكريم الكاتب والروائى المبدع علاء الأسوانى فى نقابة الصحفيين، وبقدر ما تحمل العبارة بلاغة واضحة، بقدر ما تحمل معانٍ سياسية تحتاج إلى التوقف أمامها حتى لا يمر هذا الفصل فى تاريخنا السياسى دون أن نستفيد منه.
عبارة قنديل هى تأكيد على أن حياتنا السياسية تمضى الآن دون أن يكون فيها طرف فاعل اسمه محمد البرادعى، فلماذا حدث ذلك؟
يمكن أن نذكر أسباباً كثيرة فى الإجابة عن السؤال، بعضها يتعلق بطبيعة الواقع السياسى فى مصر، وبعضها يتعلق بشخصية الدكتور البرادعى نفسه، لكن السؤال الأهم فى رأيى الآن، والذى يحتاج إلى رصد دقيق، هو "هل أثرت ظاهرة البرادعى بالسلب على واقعنا السياسى؟".
طرح هذا السؤال لا يأتى من خلفية العداء للرجل، ولكن من مبدأ التوقف أمام الظواهر السياسية التى تنطلق فجأة، وتحتل مساحات واسعة من الاهتمام، ثم تختفى تدريجياً دون التوقف أمام أسباب صعودها ثم هبوطها، ووجدنا ذلك فى ظواهر لجماعات الاحتجاج التى تكونت بعيداً عن الأحزاب المعارضة الشرعية، لكن المثير فى ظاهرة البرادعى أنها لم تأخذ وقتاً كبيراً، حتى شقت طريقها إلى المجهول.
فتح البرادعى شهية البعض لإمكانية أن يكون فارس التغيير، وفتحت وسائل إعلام كثيرة أبوابها للرجل حتى يتحدث فى كل ما يريد الحديث عنه، واجتمعت حوله شخصيات تحظى برصيد محترم ضميرياً وشعبياً، وبعد أن ذهب كل ذلك، يعود هؤلاء إلى سيرتهم السابقة على مرحلة وجوده، وبناء على ذلك يمكن القول إن الرجل كان كجملة اعتراضية فى واقعنا السياسى، وفى كتابة النصوص من السهل جدا أن تكتب نصاً كاملاً دون أن يكون فيه جملة اعتراضية واحدة، وفى نصوص أخرى قد تجد الجمل الاعتراضية معوقة لقراءة النص بسهولة.
فتح البرادعى كما قلت شهية البعض لدى القطاعات الشعبية، وقاد ذلك إلى رسم آمال عريضة عند هؤلاء، وبعد أن أصبح الرجل مثل شمس الشتاء، حسب التعبير البليغ لحمدى قنديل، هل يمكن أن نتوقع حالة من الإحباط أصابت تلك القطاعات؟