ما كل هذه الطيبة التى حطت على الحكومة والمرشحين ليداعبوا المواطن، الذى كان حتى وقت قريب كائنا لا يطاق، كثير المطالب والأولاد، مرتفع الاستهلاك، قليل الإنتاج.. فجأة وبلا مقدمات أصبحت حكومة الحزب وحزب الحكومة، ومعهم "كورس الانتخابات السيمفونى المساعد" فى حالة من العشق والهيام بالكائن الذى يسمونه السيد المواطن- أو عزيزى المواطن مع أنه طوال خمس سنوات يظل رمزا لكل المشاكل، وعدوا للنظام وتنظيم النسل وقانون المرور وقوانين نيوتن، أصبحت الحكومة طيبة جدا ورائعة وودودة مع المواطنين، وخلال أسبوعين ازدحمت مصر بالوعود الضخمة ورصدت مليارات لمشروعات الصرف ومياه الشرب وتدعيم الفلاحين وإماطة المشكلات.
ولدينا عدد وافر من الوزراء رشحوا أنفسهم فى دوائر لم ينزلوها ولم يتفرجوا عليها من قبل ولا حتى شاهدوها فى التليفزيون أو الفيديو، لكنهم من أجل عيون الصوت الانتخابى قدموا كل فروض الولاء والطاعة.
ولو تأملنا عدد المشروعات التى أعلنت الحكومة عنها خلال الشهر الأخير نكتشف أن جميع المسائل تمام التمام، كل مشروعات الصرف والرى والمياه والخبز تم حلها بجرة قلم.
ولأن البرنامج الانتخابى ليس عليه جمرك، فقد غيرت الحكومة هيئتها المتجهمة، واندمج الوزراء فى حالة ابتسام جماعى، وبش السادة الوزراء وهشوا فى وجه "اللى مايتسماش"، وقدموا الوعد تلو الآخر، مشروعات ودعم، وهى وعود تكررت من قبل عشرات المرات، مرة كل خمس سنوات، بعدها يعود الوزراء إلى قواعدهم، ووزاراتهم، ضاربين بالكائن المسمى مواطنا عرض الحائط.
وظهر المحافظون من مكامنهم، ورأينا بعضهم يوزعون اللحوم على الفقراء، ويبيعون الطماطم بالتسعيرة، وهم الذين يعجز بعضهم عن إزالة جبال القمامة من شوارع أقاليمهم.
ولو كانت الحكومة تقوم بدورها بكل هذا النشاط والهمة، ما احتاجوا لأن يشحتوا رضا المواطنين، وماكانت الحاجة لوعود وتصريحات بتوفير السلع وإنهاء المشروعات المعطلة.
ثم إن الحكومة، ومعها المرشحون، يعتبرون الموضوع كله مجرد أسبوعين يداهنون فيها "المضروب" ويقولون له يا مواطن، ولا الحكومة تقول الحق ولا المواطن يصدق، لكنهم يعملون بالحكمة "إذا كان لك عند الناخب حاجة قل له يا مواطن"، وبعد أن تنتهى الانتخابات يعود كل طرف إلى مكانه، الحكومة إلى الطناش، والوعود إلى المخازن، والمواطن إلى العشوائيات.