46 عاما قضاها الراحل كمال الشاذلى نائبا عن دائرة الباجور بمحافظة المنوفية ، احتكر خلالها مقعد الفئات ، وكتب عليه ممنوع الاقتراب أو التصوير على مر العصور، يتبدل النظام وهو باق ، يتغير مجلس الشعب وهو باق ينحل المجلس فيعود فى أول انتخابات ، تختلف طريقة الترشح بالقائمة النسبية أو بالترشح الفردى ، فيدخل كل القوائم ، وينجح فى فرض اسمه ليصبح علامة من علامات مجلس الشعب المصرى ، وكما تفاخر ليبيا بزعيمها عميد حكام العالم ، تفاخر الباجور بنائبها أقدم نائب فى العالم .
على مدى ال 46 عاما الماضية حول كمال الشاذلى دائرة الباجور إلى مملكة وهو مالكها ، وكأى ملك يراه الرعايا مقدسا لابديل عنه ، ولا عيش من دونه ، حتى عندما مرض مرضه الصعب الأخير ، أصر الأهالى على ترشحه وانتخابه ، وعقد هو مؤتمرا ذبح فيه 8 عجول ، وأعلن ترشحه فى الانتخابات حتى آخر عرق ينبض ، ووصف بعض أنصاره ترشح المنافسين بالخيانة ، وأطلق الأهالى الزغاريد لوجوده بينهم وأعلنوا أنه حتى لو نائم على السرير ( من شدة المرض) سننتخبك.
عندما أصيب الراحل كمال الشاذلى بالوعكة الأخيرة ، ونفذ قضاء الله ، تسربت أخبار الوفاة إلى الباجور ، وكالعادة رفض الرعايا نبأ وفاة الملك ، واعتبروا منافسه فى الانتخابات هو مصدر الخبر الذى تحول فى نظرهم إلى شائعة مغرضة ، ولأن خبر الموت لايبقى طويلا قيد الكتمان ، فقد نسى الرعايا فى الباجور وصف الشائعة وخرجوا بالآلاف لإلقاء النظرة الأخيرة على مليكهم المفدى ، وحققوا له مراده الذى يتمناه بجنازة شعبية هائلة ، كما شرفه الرئيس مبارك عندما تقدم آلاف المشيعين الذين تسابقوا فى حمل الجثمان إلى قبره الذى ابتناه وسط مسجده المجاور لفيلته بالباجور ( لاحظوا أنه لم يستصدر موافقات المجلس المحلى ومجلس المحافظة ولم ينل الحظوة بقرار جمهورى لبناء المدفن داخل مسجده المجاور لبيته) .
46 عاما ، قدم فيها كمال الشاذلى بالقطع كثير من الخدمات الصغيرة لأهالى الباجور ، وهى خدمات كان من الممكن ألا يلجئوا إليه فيها لو كانت الحكومات المتعاقبة وأجهزة الحكم المحلى تقوم بدورها على الوجه الأكمل ، فقرار علاج بالمستشفيات الحكومية لا يستحق أن يتحول المواطن إلى أسير للنائب ، وتوظيف شاب حديث التخرج ، أو قرار ببناء كشك ، أو مد خط للمياه أو الصرف الصحى ، أو إنارة قرية ، أو بناء عدة مدارس ، كلها واجبات عادية لنائب يدفع الحكومة إلى علاج أوجه القصور التى وقعت فيها ولا يستحق أن يتحول الأهالى إلى رعايا، عندما يموت راعيهم ينظمون مظاهرة احتجاجية لإبقاء دائرة كمال الشاذلى فارغة أو منحها لإبنه معتز ، هل هذا كلام مواطنين كاملى الأهلية والمواطنة وواعين بحقوقهم ؟ بالطبع لا
لكن من المسئول عن تحول أهالى الباجور من مواطنين إلى رعايا؟ طبعا ليس كمال الشاذلى وحده ، ولكنه أسهم فى إبقاء الوضع على ما عليه 46 عاما كاملة ، بل جعل هذا التحول عقيدة وشعارا رسميا لأهالى الباجور، فكم يستغرق الأمر للتعديل والتصحيح؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة