أظهرت الاستطلاعات والتقارير التى صدرت خلال الفترة الأخيرة، عددا من الحقائق والنتائج التى تدعو إلى التأمل فى واقعنا، وتواجهنا بحقائق يجب أن نعيها جيدا مهما خرج علينا تجار الكلام فى الحزب الوطنى وحكومته ليبيعوا علينا تحليلاتهم الفاسدة، التى تفوح رائحة جيفتها أمام حقائق الأرقام الحية.
الحقيقة الأولى التى طالعتنا بها نتائج فوربس كانت تصدّر موقع "اليوم السابع" للمركز الأول كأفضل صحيفة إلكترونية هى الأكثر تأثيرا وإقبالا فى المنطقة العربية.. أما الحقيقة الثانية التى أعقبتها بأيام قليلة من فوربس أيضا هى صدور قائمة زعماء العالم الأقوى شخصية والأكثر تأثيرا، والتى لم يكن من بينها مصر المحروسة، رغم كل ما يقال عن حكمة وكياسة قيادتها واعتبارها مرجعية سياسية مهمة للعديد من قادة العالم.. بينما كان ثالث تلك القائمة هو الملك عبدالله عاهل السعودية، كثالث أكثر الشخصيات تأثيرا فى العالم بعد رئيس الصين جينتاو، ورئيس أمريكا أوباما،
وفى نفس توقيت نتائج فوربس تقريبا صدر تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية ليوضح حقيقتين جديدتين ولكنهما ذاتا صلة، وهى أن مصر تحتل المركز 101 فى التنمية البشرية من بين 135 دولة فى العالم شملها التقرير، كما تحتل المركز الـ17 فى تحقيق الإنجازات الإنمائية طويلة الأجل.. وهو التقرير الذى أشار إلى أن سلطنة عمان احتلت المركز الأول فى تلك القائمة، كما سبقنا فيها كل من السعودية وتونس والجزائر والمغرب ونيبال وجمهورية لاو الديمقراطية، وغيرهم من دول سمعنا عنها ودول لم نسمع.
وقبل فوربس وتقرير التنمية البشرية بأيام قليلة كان تقرير منظمة الشفافية الدولية قد أشار إلى أن مصر تحتل المركز الـ98 فى قائمة الدول الأقل فسادا، والتى ضمت 178 دولة، فى حين سبقتنا فى القائمة العديد من الدول العربية الأخرى منها قطر والكويت والسعودية والجزائر والإمارات وعمان والبحرين وغيرهم، لتأتى مصر رقم 11 بين الدول العربية، وهى بذلك تكون من أكثر الدول العربية فسادا. فيما احتلت أيضا المرتبة الـ89 بين 110 دولة فى مؤشر الرفاهية الذى يصدره معهد ليجاتوم الدولى.
تلك النتائج مجتمعة تشير إلى حقيقتين واضحتين لا لبس فيهما، أولهما أن نجاح "اليوم السابع"، يؤكد أن شعب مصر ما زال يستطيع الحياة والتميز، وما زال يمتلك القدرة على الحركة والمنافسة والتفوق، ولكن اعتمادا على ذاته ومعزولا عن النظام، الذى –حسبما تفيد النتائج- إذا تدخل فى شىء أفسده وأفشله، وظن أنه يحسن صنعا.
أما ثانى تلك الحقائق التى تؤكدها النتائج، هى أن مصر شعب قابل للنجاح فى ظل سلطة غير قادرة على التواصل ليس فقط داخليا مع أبناء شعبها الذى فقد ثقته بها، بل أيضا خارجيا ليس فى إيجاد قيمة لها، بل فى الحفاظ على تلك القيمة التى اكتسبتها مصادفة، حيث أن بركة دعاء الوالدين منحتها الفرصة لأن تحكم دولة متميزة وذات مكانة، إلا أنه للأسف أفقدتها تميزها ومكانتها، وبالتالى بدأت تتراجع أمام الجميع فى شتى المناحى، بينما الآخرون يصعدون وينمون.
ولا عجب إذن أن نسمع كل فترة وأخرى عن إنجاز مصرى فردى داخلى أو خارجى، يحققه علماء ومهندسون وباحثون، ظلت أسماء العديد منهم تلمع عالميا ومحليا حتى أيام قليلة، فى الوقت الذى نرى فيه تراجعا وتقهقرا وفشلا رسميا على كل المستويات وعلى كافة الأصعدة محليا وعالميا أيضا، بينما لا نحصد من كل هذا الفشل سوى خطاب متبجح من مزورى الواقع فى مصر حول الحكمة والنجاح والريادة، والتى باتت مثارا للسخرية والتندر.
والحقيقة أن تلك الحالة ليست غريبة على المصريين، فقد اعتاد هذا الشعب وعبر قرون طويلة من الاحتلال والاستعمار والسطو أن يحيا فى ظل اللا دولة، ويقوم هو بتسيير أموره بمعزل عنها، أو حتى رغما عنها فى أحيان كثيرة، فالأنظمة الحاكمة فى مصر منذ الاحتلالات الأجنبية، لم تكن لها إسهامات حقيقية فى تنمية هذا الشعب إلا بقدر ما تخففه من ضغط عليه، أو بقدر ما تفسح له من مجالات للحركة دون أن تكبله بالضرائب أو الإتاوات والجبايات بمختلف مسمياتها، بينما ينجح المصريون فى كل مرة فى التحايل على تلك الأنظمة المعادية، ويلتف حول فكرة ما أو زعيم ما، فيجتهد فى إثبات ذاته ولو فرديا، حتى تتهيأ له لحظة ما، لا يمكن لأحد أن يتوقعها فيقرر التغيير، ويطهر البلاد من تلك السلطة الفاسدة أو المحتلة، لتذهب هى إلى مراحيض التاريخ، ويحيا الشعب.