فتوى الشيخ يوسف القرضاوى الأخيرة حول ترشح المرأة فى الانتخابات البرلمانية تثبت، أن التحدى الرئيسى لمجتمعنا وللمجتمعات العربية، هو تجاوز ثقافة التخلف والنظر بجدية إلى أسباب النهضة التى دفعت غيرنا من الأمم والشعوب إلى مصاف الدول القوية، ودفعتنا نحن إلى الخروج من التاريخ والفعل التأثير، حتى أصبحنا أمماً مفعولا بها لا تملك حتى أن تتحكم فى ثرواتها وأراضيها وسيادتها.
الشيخ يوسف القرضاوى، ورغم سعيه إلى التجديد الدينى، خرج علينا بمفهوم براجماتى يخدم نموذج الدولة الدينية، فعند حديثه عن دخول المرأة لمعترك انتخابات مجلس الشعب، بزعم مواجهة الدعاوى السلفية المتطرفة التى ترفض من حيث المبدأ دخول النساء مجال الحياة السياسية، لخطأ فى تفسير الآية الكريمة "وقرن فى بيوتكن"، ينبرى القرضاوى لتفنيد وجهة نظر هؤلاء السلفيين، مستشهدا بخروج السيدة عائشة من بيتها واشتراكها فى معركة الجمل للاقتصاص من قتلة عثمان بن عفان، ومستشهدا بواقع الحياة العصرية من خروج المرأة للتعليم فى المدارس والجامعات، وتوليها أرفع المناصب العامة.
لكن الشيخ القرضاوى، ولأنه أذكى وأحوط من السلفيين التقليديين، فقد انتقل بمعركة التمييز ضد المرأة إلى حلقة جديدة فيها من التآمر البرجماتى، والسعى لتطوير أدوات الدولة الدينية، وبينما يواجه منطق السلفيين بيد، يضرب منطق التمييز الإيجابى المرحلى كما تجلى فى كوتة المرأة بيده الأخرى عبر التفرقة، من وجهة نظره بين المترشحات الملتزمات والمرشحات العلمانيات المتحللات، قائلا "بأن الحاجة تقتضى من المسلمات الملتزمات أن يدخلن معركة الانتخاب فى مواجهة المتحللات والعلمانيات اللائى يزعمن قيادة العمل النسائى"، مضيفاً "الحاجة الاجتماعية والسياسية قد تكون أهم وأكبر من الحاجة الفردية التى تجيز للمرأة الخروج إلى الحياة العامة".
هكذا يعتمد الشيخ القرضاوى منطق الجماعات الجهادية المتطرفة التى تستخدم التكنولوجيا فى العمليات الإرهابية، وبدلا من تعزيز فكرة المساواة بين الرجل والمرأة لتحقيق نوع من التقدم فى مجتمعنا، انطلاقا من الوعى بأن نهضتنا لن تتحقق مع تهميش نصف المجتمع، يدعو القرضاوى لاستخدام منطق التمييز الإيجابى للمرأة كما حدده "نظام الكوتة"، لفرض سطوة ما أسماهن بالنساء الملتزمات فى مواجهة العلمانيات والمتحللات فى قيادة العمل النسائى.
لا يا شيخ قرضاوى، قيادات العمل النسائى لسن متحللات، فمنهن العالمات الجليلات ومنهن صاحبات التاريخ المهنى والسياسى الطويل، ومنهن المناضلات اللاتى دفعن من عمرهن الكثير لإعلاء فكرة تقدم هذا المجتمع، ودعوتك التآمرية للسيطرة من خلال "الملتزمات فى مواجهة المتحللات" لن يكتب لها النجاح، لأنك ببساطة تعيش داخل الغرف المكيفة فى قطر الشقيقة، ولا تدرك مدى تحولات المجتمع عندنا، التى باتت لا تعترف إلا بالجهد المبذول لصالح الناس، من رجل كان أو من سيدة.
يا شيخ قرضاوى، وهم الدولة الدينية، أصبح أبعد عن التحقق أكثر من أى وقت مضى، ليس لضعف الداعين والمتشيعين لهذا النموذج المتخلف فحسب، ولكن لأن فئات المجتمع أصبحت أقدر على التمييز بين ما ينفعها وبين الزبد الذى يذهب جفاء.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة