لا أتعاطف كثيراً مع عمرو خالد ولا مع أساليبه فى معالجة الأزمات، فهو يصمت كثيراً فى أوقات الكلام فيها واجب، ويتكلم بالإشارات فى أوقات الوضوح والصراحة فيها من الضروريات.
أنا أيضا لست من مريدى الشيخ أو الداعية الجديد أو الأستاذ كما يحب جمهوره أن يناديه، ولم أضبط نفسى معجباً بأداء الرجل الإعلامى منذ قرر أن يعتبر نفسه إعلاميا يصرح ويتجول مع الكاميرا قبل أن يكون داعية يعظ ويفكر ويتدبر، وكل ذلك لا يعنى بالطبع أن أنكر على الرجل نجاحه الدعوى الكبير الذى حققه فى السنوات الأخيرة، ولا يعنى بالطبع أن أنكر على الرجل اعتدال وذكاء خطابه الدينى فى عصر اختفت فيه معانى الاعتدال، وسادت خطابات دينية أخرى متطرفة فى أحاكمها ومشوهة لصورة الدين.
بالتوازى مع ذكاء وموهبة عمرو خالد الخطابية والدعوية، احترمت فى الرجل وضوحه فيما يتعلق بالأمور السياسية، حتى وإن كنت أختلف معه.. منذ بدأ عمرو خالد وهو واضح فى تلك النقطة، يقول عن نفسه داعية إسلامى ويقدم نفسه كصاحب أفكار ورؤى اجتماعية وأخلاقية لا علاقة له بالسياسة والمعارضة والحكومة وتلك الأضاد المتنافرة، لم أضبط عمرو خالد مرة وهو متلبس بتصريح صريح ومباشر ضد السلطة، ولم أضبطه أيضا متفوهاً بعبارة صريحة تحمل تأييداً لتيار سياسى معين، وإن كان ما يقوله عمرو خالد فى دروسه يحمل بفطرة القصص الدينى السليم الكثير من الإسقاطات السياسية التى تصب فى غير صالح النظام.
احترمت فى عمرو خالد وضوحه فى الابتعاد عن السلك السياسى الشائك وإصراره على تقديم نفسه اجتماعيا لا سياسيا، ورغم عدم إيمانى بتلك الرؤية واقتناعى بأن رجل الدين لابد أن يملك الرؤية السياسية الواضحة والمباشرة، ولابد أن يكون صريحاً وواضحاً وهو يواجه فساد السلطة وطغيان الحاكم إلا أن احترامى لموقف عمرو خالد كان منبعه وضوح الرجل فى موقفه من الصراع السياسى دون أن يلف ويدور ويعيد صياغة موقف مزيف يرضى به الجماهير الهاتفة باسمه فى المظاهرات أو المسؤلين الذين يملكون حق منعه أو ظهوره على الشاشات وفى قاعات الدرس والمساجد المصرية.
وبناءً على كل ما سبق، لم أندهش كثيراً من موافقة عمرو خالد على حضور ندوة الإسكندرية التى تنظمها مؤسسة يرأسها اللواء عبد السلام المحجوب، الوزير ومرشح الحزب الوطنى، لم أندهش من عمرو خالد وتصرفه المتوقع بقدر الدهشة التى أصابتنى من كمية المزايدات التى تعرض لها الرجل بسبب موافقته على حضور الندوة، تحول الرجل الذى كان منذ 10 أيام فقط داعية شاباً منفياً يكرهه النظام ويخافه إلى خائن وعميل وشيخ تايوانى باع نفسه ودينه من أجل عودة إلى الظهور فى الندوات، صحيح بعض الهجمات التى تعرض لها عمرو خالد كانت نقية وهدفها عدم تلويث سمعة شيخها المحبوب بسمعة الحزب الوطنى، وتعبر عن الحيرة التى يعيشها الشعب المصرى الذى تعود أن يجعل من كل شهير أمير للانتقام من الدولة، فيصاب بالإحباط حينما يجد الأمير لا ينتقم مثلما حدث مع زويل ومع البرادعى.
ولكن أغلب الهجمات كانت عبارة عن مزايدات سيئة الرائحة تفتح باباً أوسع مما نتخيل للتخوين والاتهام ببيع المبادئ والعمالة لأنه وبناءً على ما تم اتهام عمرو خالد به سيصبح محمود سعد متهماً هو الآخر، لأنه يعمل فى تليفزيون الدولة، وسيصبح الدكتور البرادعى خائناً لأنه تلقى تكريماً من الرئيس ولم يتنازل عنه حتى الآن، وسيصبح من له أب أو أخ أو عم فى الحزب الوطنى متهما هو الآخر طالما لم يقاطعهم، وسيصبح كل دكتور محترم فى الجامعة متهماً هو الآخر لأنه لم يستقل اعتراضاً على تدخلات الأمن فى الجامعات، وسيصبح كل صحفى وإعلامى متواطئاً ومتهماً وخائناً لأنه ينشر تصريحات لقيادات الحزب الوطنى ويحضر مؤتمرات مرشحيهم.
أنا لا أدفاع عن عمرو خالد، وإن كان الرجل يستحق الدفاع بالفعل، ولا أدافع عن الحزب الوطنى الذى يتهم الإخوان باستغلال الدين بينما هو يفعل ماهو أكثر من استغلال الدين بكثير، أنا فقط أحذر من تلك القضبان التى ركبناها بلا عودة.. تلك القضبان التى تفرق ولا تجمع لأن شعارها الرئيسى أصبح "كل من ليس معنا فهو ضدنا ويستحق التخوين والقتل إن أمكن".