كل يوم ترد الأنباء عن احتجاز مركب صيد مصرى فى المياه الإقليمية لدولة مجاورة بدءاً من اليمن وأثيوبيا جنوبا وصولا إلى تونس وليبيا غربا وتركيا شمالا، بعد أن أصبحت الشواطئ والبحيرات المصرية فقيرة فى إنتاجها السمكى ولا ترضى طموحات الصيادين الباحثين عن مورد رزق وافٍ، فكيف وصل الحال بالصيادين المصريين إلى المخاطرة بأرواحهم ومصادر رزقهم فى المياه الأجنبية؟ وأين الجهود الرسمية لتوقيع بروتوكولات تسمح للصيادين المصريين بممارسة الصيد فى المياه الإقليمية للدول العربية الشقيقة وفق الضوابط التى ترتضيها تلك الدول؟
وفى تقريره عن أوضاع الصيادين فى مصر، يرصد مركز "الأرض" فى تقريره رقم 47 عن أوضاع الصيادين المصريين ومشاكلهم، كيف بلغ عدد الصيادين 3.5 مليون صياد يعتمدون على مسطحات مائية تبلغ مساحتها 13.5 مليون فدان، لكنها تواجه خطر التقلص نتيجة لوجود اتجاه إلى تجفيفها.
ويستشهد التقرير بأوضاع بحيرة المنزلة كمثال دال على واقع الصيد فى 11 بحيرة مصرية، مشيراً إلى انكماش مساحة بحيرة المنزلة من 750 ألف فدان فى عام 1956 إلى 190 ألف فدان فى عام 1982 ثم وصلت مساحتها فى عام 1994 حوالى 125 ألف فدان فقط، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات تلوث مياه البحيرات بأملاح الزئبق والزنك، الأمر الذى أدى إلى إصابة كثير من أنواع الأسماك بها بالتسمم وتناقص كمياتها، فضلا عن التغيرات البيئية التى أدت لانخفاض ملوحة مياه بعض البحيرات وتناقص أسماك المياه المالحة ذات القيمة الاقتصادية المرتفعة، وزيادة بعض أسماك المياه العذبة ذات القيمة الاقتصادية المنخفضة نسبياً.
ويرصد تقرير مركز الأرض العديد من مشكلات الصيادين التى تحتاج وقفة وحلولا، حتى لا يضطروا للمخاطرة والصيد بدون تصريح فى المياه الإقليمية الأجنبية، وفى مقدمتها:
- التعدى على مياه الصيد الحر، وذلك بسبب تأجير مياه البحيرات وتحكم الإقطاع المائى فى الموارد، بالإضافة إلى معاناة الصيادين من تعسف شرطة المسطحات المائية وإهانتهم ومصادرة مراكبهم وعدم تطهير البحيرات.
- تقلص مساحة وإنتاج البحيرات فى الوقت الذى يتزايد فيه الاعتماد على الاستزراع السمكى حتى أصبح يمثل نحو 50% من إنتاجنا من الأسماك.
- تلوث المصايد لما لها من تأثير سلبى على المخزون السمكى ذاته أو على البيئة التى يعيش فيها الأسماك.
-التضارب الموجود بين بعض الجهات التى تشارك فى إدارة وحماية البحيرات.
ما الذى يمنعنا من اعتماد مشروع قومى لوقف تلوث البحيرات المصرية ومواجهة التعديات عليها، مع مواجهة جشع التجار وأصحاب المزارع السمكية الذين يعمدون لاغتيال موسم الصيد الحر عبر اصطياد الزريعة؟ وماذا يمنعنا من توجيه الاستثمارات إلى أساطيل صيد مصرية حديثة تعتمد على التكنولوجيا البحرية المتقدمة التى تمكنها من الصيد فى أعالى البحار دون مخاطر؟
هذا المشروع كفيل بزيادة مساحة المسطحات المائية أمام الصيادين المصريين، وزيادة فرص العمل والرزق أمام 3.5 مليون صياد، وكفيل أيضا بتقليص رحلات الصيد الخطرة فى المجهول فى المياه الإقليمية للدول المجاورة، وفتح الباب واسعا أمام تطوير إنتاج الثروة السمكية وتصنيعها وتصديرها، لتسد النقص الكبير فى البروتين الحيوانى.
لا أعتقد أن مثل هذه الأفكار من الصعوبة بحيث تغيب عن أذهان صناع القرار، لكن الغريب والمثير للتساؤل هو عدم دخولها حيز التنفيذ حتى الآن.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة