"حميد كرازاى" الذى أتت به القوى الغربية (وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية) رئيساً لأفغانستان هو الذى ساعدته نفس القوى فى الانتخابات التى جددت له مدة رئاسته مع الوضع فى الاعتبار (تبعا للصحافة العالمية) أن "كرزاى" لم تمنحه هذه الانتخابات المزورة سوى شرعية ضعيفة، خصوصا وأن هذه القوى الغربية هى التى أوصلته إلى الحكم بعدما أطاح التحالف الدولى، بقيادة الولايات المتحدة نهاية 2001، بنظام طالبان، ولأسباب غير معروفة بشكل واضح بدأت بعض الخلافات تنشأ بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وقد ظهر ذلك فى مطالبة "كرزاى" للولايات المتحدة الأمريكية بوقف تمويل شركات الحراسة الخاصة العاملة فى أفغانستان بسبب الدور الخطير والسلبى الذى تلعبه هذه الشركات لأنها تلعب برأيه دوراً سلبياً جداً، مثل شركة "بليكوتيرBlikoter " التى اتهمها الشعب الأفغانى أكثر من مرة بقتل المدنيين الأبرياء فى إيران وأفغانستان، وبالرغم من ذلك، فإن كثيرا من الشباب الأفغان يتكالبون على الالتحاق بهذه الشركات لأنها تدفع لهم رواتب كبيرة فى حين أن الالتحاق بهذه الشركات يتم بمنتهى السهولة.
وقد وصل عدد الشباب الذين يعملون بها الآن إلى 30 ألف شاب أفغانى، بالإضافة طبعا لعدد كبير من الخبراء الأجانب لدرجة أن شركات الحراسة الخصوصية قد أصبحت اليوم بمثابة جيش كامل لدرجة أن صديقنا المستشرق "يورى كروبنوف" يقول عنها إن شركات الحراسة الخصوصية هذه إذا توخينا الدقة فى توصيفها هى شركات خصوصية عسكرية تؤدى دورا بالغ الأهمية فى تعقيد العملية الأفغانية، فقد بلغ تعدادها ثلث تعداد كل القوات العسكرية المتواجدة حاليا فى أفغانستان، مع العلم أن العاملين فيها مسلحون ويخضعون لرقابة الشركات الخصوصية وليس لرقابة الدول التى أرسلتهم.
كان "كرازاى" قد تقدم بمشروع خاص بالطائفة الشيعية فى أفغانستان يلزم النساء الشيعيات بممارسة الجنس مع أزواجهن مرة على الأقل كل أربعة أيام، وعرف مشروع القانون بـ"الجنس مقابل الغذاء" لكن مشروع القانون أثار غضباً وانتقادات شديدة من قبل منظمات حقوق الإنسان التى رأت أن مشروع القانون يجيز "الاغتصاب" عمليا بتجاهله لضرورة توفر القبول لممارسة الجنس ضمن الزواج، وأمام الرفض والانتقادات العنيفة، قام "كرازاى" بسحب مشروع القانون، إلا أن "كرازاى" عاد وفاجأ الأفغان بموافقته على نسخة معدلة من مشروع القانون، حيث فسر المراقبون ذلك بمحاولة "كرازاى" لكسب أصوات الأقلية الشيعية، حيث نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سي" عن "راشيل ريد" من منظمة "هيومان رايتس ووتش" الدولية المعنية بحقوق الإنسان القول إن التوقيت ليس مصادفة، حيث مرر القانون قبيل الانتخابات الرئاسية، غير أنه فى الآونة الأخيرة ساءت العلاقة بين "كرازاى" وحلفائه الغربيين وبالذات رأس الحلفاء الرئيس الأمريكى "أوباما" لدرجة أن البيت الأبيض طلب توضيحا بعد أن اتهم "كرازاى" الأجانب بالتلاعب فى الانتخابات ورشوة المسئولين الأفغان والسعى لإضعافه وإضعاف حكومته، وبعد أن كان "كرازاى" صديقا مقربا للغرب، فترت العلاقة مؤخرا بينه وبين قادة الدول الغربية (وتحديدا بعد انتخابات الرئاسة التى فاز فيها وأحاطت بها اتهامات شديدة بالتزوير)، وقد ظهر فتور العلاقة جليا فى الاتهامات التى وجهتها صحيفة "نيويورك تايمز" إلى "عمر داودزاى" مدير مكتب الرئيس الأفغانى "حميد كرزاى" بأنه يتلقى المال بانتظام من إيران التى تسعى إلى ترسيخ نفوذها فى العاصمة الأفغانية كابول، وأن إيران تستخدم نفوذها لنشر الفرقة بين الأفغانيين وحلفائهم الأمريكيين وفى حلف شمال الأطلنطي، وأن الأموال الإيرانية تصل إلى ملايين الدولارات وأنها تحول إلى صندوق سرى يستخدمه "داودزاى" و"كرزاى" لدفع الأموال إلى النواب وزعماء القبائل وحتى إلى قادة فى طالبان لشراء ولائهم.
أصبح كل المحيطين بالرئيس الأفغانى "كرازاى" فى حيرة شديدة من أمر رئيسهم وصار السؤال الرئيسى الذى يطرحونه على بعضهم البعض هو "هل فقد الرئيس الأفغانى حميد كرزاى صوابه كلياً؟" ويرى جميع الأصدقاء القدامى والمقربين من "كرازاى" أن الرئيس الأفغانى قد صدم حلفاءه الغربيين مرتين من خلال تعليقاته الاستفزازية فى غضون ثلاثة أيام فقط، فقد ادعى أن "الأجانب" كانوا وراء تزوير عملية التصويت الفاضحة فى الانتخابات الرئاسية وانتخابات مجالس المحافظات، ثم أعلن أنه سيميل إلى حركة "طالبان" فى حال استمرت البلدان الغربية فى ممارسة الضغوط السياسية عليه، فما الذى حصل لـ"محبوب الغرب" و"الصديق المقرب لأوباما" سابقاً.
"حميد كرزاى"، يبدأ العام الثالث والخمسين من عمره، وهو أحد أبناء قبيلة "الباشتون" التقليدية، يقول عنه أصدقاؤه إنه رجل متفاخر يجيد استعمال السلطة، لكنه فى الوقت نفسه شخص معتد برأيه، ولطالما أهانه الأمريكيون مراراً وتكراراً، وهو أمر لا يغتفره "كرازاى"، وقد قال "كرزاى" لشركائه المقربين (والعهدة على جريدة نيويورك تايمز التى صرح كرازاى بأنه لا يحترمها)، "صحيح أن بلدنا فقير، لكن لدينا عزة نفس، أنا لست خادماً فى نظام استعمارى ولست دمية فى يد أحد، وأنا أفضل الموت على ذلك". وقد جاءته آخر إهانة حين أقدم الرئيس الأمريكى "باراك أوباما" على زيارة العاصمة الأفغانية "كابول" فجأة، وبعد مغادرة "أوباما"، نقلت جريدة "نيويورك تايمز" أن الرئيس الأمريكى قدم إلى "كابول" للوم الرئيس الأفغانى على أدائه الضعيف فى الحكم، وقد بدأ البيت الأبيض (والعهدة على جريدة نيويورك تايمز) يفكّر منذ الآن بإلغاء الزيارة الرسمية التى كان سيقوم بها "كرزاى" إلى واشنطن، والآن يرى الجميع أن العلاقة بين الولايات المتحدة و"كرازاى" قد انهارت، وقد يكون إصلاحها مستحيلا وأن شهر العسل الطويل بين "أوباما" و"كرازاى" قد انتهى فيما بدأت بينهما إجراءات الطلاق.
• كاتب وروائى مصرى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة