تحظى الانتخابات التشريعية لعام 2010 باهتمام كبير على أكثر من صعيد، إذ لا نبالغ إذا قلنا إنها بمثابة اختبار حقيقى للتطور الديمقراطى فى مصر، إذ ستبين مدى التزام الحكومة بتحقيق قدر من النزاهة والشفافية فى تلك الانتخابات من عدمه.
وهنا يصبح التساؤل الرئيسى، هل تعطى الإجراءات والسياسات التى اتخذت فى الآونة الأخيرة مؤشرا واضحاً على تحقيق النزاهة الموعودة، أم أن هذه الإجراءات ستزيد الشكوك فى الانتخابات القادمة. حقيقة الأمر أن المتابع للإجراءات السريعة والمفاجئة المتعلقة بالإعلام يستطيع أن يستشف بأن هناك رسالة تحذيرية شديدة اللهجة موجهة للإعلام والصحافة برغم محاولة البعض إظهارها بأنها رسالة موجهة بالأساس للقنوات الفضائية التى تنشر التخلف والشعوذة وتثير الفتنة الطائفية، غير أن المشاهد والمتابع للأحداث يكشف ذلك، فهناك وقف لبرنامج عمرو أديب «القاهرة اليوم»، وأيضا تحذير وإنذار قناة ontv وقناة الفراعين، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحال بل امتد أيضا إلى إصدار قرار من شركة الأقمار الصناعية المصرية (نايل سات) واتحاد الإذاعة والتليفزيون بإلغاء ترخيص وحدات SNG وهى الوحدات التى تسمح للقنوات الفضائية بالبث المباشر من أى مكان والتى استخدمت على نطاق واسع فى انتخابات الشورى كذلك أثناء انتخابات عام 2005 من قبل قنوات عدة فى مصر، وقد تم إرسال إخطار بضرورة تجديد الترخيص لقناتى القناة الفرنسية الثانية وقناة CNBC عربية من قبل اتحاد الإذاعة والتليفزيون وأخيرا تقييد استخدام خدمة الرسائل SMS بالتليفون المحمول فى حالة استخدامها من مؤسسات أو جهات إلا بإذن مسبق. هذا فضلاً عن إعلان المنطقة الإعلامية بعض الضوابط العامة لعمل القنوات الفضائية والمبادئ التى يتعين على جميع القنوات مراعاتها مستقبلاً وهى ضوابط تتنافى مع المواثيق الدولية المعنية بحرية الرأى والتعبير، كما أنها تضمنت العديد من العبارات الفضفاضة والواسعة مثل «المصلحة القومية» و«الأمن القومى»، والغريب أن هذه الإجراءات جاءت بالمخالفة لتعهد مصر الطوعى أمام المجلس الدولى لحقوق الإنسان فيما يخص حماية حرية الرأى والتعبير والصحافة.
وعلى جانب آخر، وإذ ألقينا نظرة على إجراء الانتخابات وفقاً للمعايير الدولية بشأن نزاهة الانتخابات، فسنجد أن أهم عنصر فيها هو شفافية الإجراءات، وأن تجرى بين متنافسين قادرين على الاطلاع على جميع تفاصيل العملية الانتخابية سواء خارج اللجان الانتخابية أو داخلها من خلال المندوبين والوكلاء، وحتى الآن لم تصدر اللجنة العليا للانتخابات التعليمات المعنية بتسجيل هؤلاء الوكلاء والمندوبين، هل سوف يتم العمل بها كما كان يجرى من قبل، وهو اعتماد التوكيلات والتعويضات من مأمور القسم، الأمر الذى يمكن فيه التأثير على إصدار التوكيلات للمعارضين وحرمانهم من أن يتواجدوا عبر وكلائهم أو مندوبيهم فى اللجان، أيضا برغم ترحيب اللجنة العليا للانتخابات برقابة المجتمع المدنى، بل والنص فى قانون مباشرة الحقوق السياسية صراحة على جواز أن تراقب منظمات المجتمع المدنى الانتخابات، إلا أن التجربة فى انتخابات مجلس الشورى كانت سلبية، فمن إجمالى 4500 طلب تقدم بها المجلس القومى لحقوق الإنسان نيابة عن المنظمات الحقوقية لم يتم الموافقة إلا على ألف تصريح بل تم تسليمها مساء يوم الانتخابات، مما يعنى عدم القدرة على تسليم التصاريح لمدربى المنظمات فى المحافظات المختلفة، الأمر الذى يثير شكوك مؤسسات المجتمع المدنى حول هذه القضية.
لم يتوقف الأمر عند هذه القيود، إلا أن الرفض القاطع من الحكومة المصرية للرقابة الدولية على الانتخابات واعتبارها تدخلا فى أعمال السيادة أو التدخل فى إدارة العملية الانتخابية، وأنها سوف تستبدل الرقابة المصرية، كلها مبررات مردود عليها، فإدارة العملية الانتخابية هى مسؤولية الدولة المصرية سواء كانت اللجنة العليا للانتخابات أو حتى وزارة الداخلية كما كان يحدث من قبل، بينما عملية الرقابة هى عملية تقييم لمدى تمتع الانتخابات بمعايير الشفافية والنزاهة ومدى تمتع اللجنة المشرفة على الانتخابات بالحيدة، وفى الحقيقة قامت مصر رسميا ومن خلال منظمات المجتمع المدنى بالمشاركة فى رقابة الانتخابات فى أكثر من دولة مثل العراق والسودان والجزائر وغيرها من الدول الأخرى.
أما الحديث عن تأثير المال على الانتخابات فهو حديث مطول، فاستخدام المال فى الانتخابات التشريعية المصرية تاريخ كبير، حيث تتم عملية شراء أصوات على نطاق واسع وكذلك توزيع مزايا وسلع عينيه على الناخبين وهى من الممارسات المتعارف عليها، ففى انتخابات 2005 بلغ الصوت الانتخابى 500 جنيه فى بعض الدوائر لاسيما تلك التى يتنافس فيها رجال الأعمال، لذلك رحبنا بقرار اللجنة العليا للانتخابات بوضع سقف مالى أعلى لا يجوز تجاوزه وهو مائة ألف جنيه فى الجولة الأولى ومائة ألف جنيه فى الإعادة، إلا أن عدم وجود معايير محددة للرقابة على الإنفاق قد أفرغ هذا القرار من مضمونه، لاسيما أن عددا من الوزراء والمسؤولين الكبار فى الدولة يخوضون هذه الانتخابات، وبالتالى كان هناك ضرورة على أن تحدد معايير حساب التكلفة الانتخابية، وكذلك خطر استخدام أموال الدولة والحكومة وأجهزتها ووسائلها فى العملية الانتخابية بما فى ذلك العطايا سواء كانت مكافآت أو حوافز.
وفى ضوء غياب هذه المعايير، فبالإضافة للقيود السابقة الإشارة إليها على حرية الرأى والتعبير ورفض مطالب المعارضة السبعة بشأن نزاهة الانتخابات، بخلاف عوامل أخرى تشكل نقاط تراجع فى ملف حقوق الإنسان، فهناك قانون الطوارئ والقوانين المقيدة للحقوق والحريات بدءا من قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 وقانون الجمعيات الأهلية وقانون النقابات المهنية وقانون النقابات العمالية.. إلخ.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة