رغم حبه للقراءة وغرامه للأدب إلا أنه درس الهندسة وعشق الصحافة.. سافر للعمل مهندساً فى شركة أمريكية بإحدى الدول الخليجية، لكنه لم يحتمل الإقامة بتلك الدولة.. فترك العمل وعاد إلى مصر غير نادم على الراتب الضخم والمميزات المبهرة..
أخيراً تحقق حلمه الذى طالما راوده والتحق بالعمل صحفياً فى مؤسسة حكومية.. مرت سنوات وهو يقارن كل يوم بين ما تنشره صحافتنا والصحافة العالمية إلى أن شعر باليأس وغمره الإحباط وتسلل إليه الملل من جديد.. جهل رئيس مؤسسته واستسلام زملائه لصحافة عفا عليها الزمان ساهما أكثر فى انجذابه للصحافة الأجنبية بكل أدواتها ودقتها واحترامها لعقلية المتلقى.. قرر التمرد مرة أخرى.. هذه المرة أراد أن يضاعف من خبراته العلمية فحصل على منحة لدراسة الماجستير فى إحدى جامعات جنوب إفريقيا.. هناك اكتشف عالماً جديداً وعلى مدار عامين كون صداقات متنوعة مع شخصيات من كل الجنسيات..
فى جوهانسبرج لمعت فى رأسه فكرة العمل الدولى فكان قرار طلاقه للصحافة المحلية وبداية الارتباط بالصحافة العالمية، فكانت المنظمات الإنسانية بالأمم المتحدة بوابته لدخول هذا العالم المثير.. تقدم للعمل بها بناء على قدراته وخبراته الصحفية واللغوية.. كانت روما محطته الأولى فى مشوار طويل طاف خلاله ثلاثة أرباع دول العالم.. من السودان إلى الصومال ومن الهند إلى إيران ومن تركيا إلى أذربيجان ومن واشنطن إلى باكستان ثم إندونيسيا..
لكن المحطة الأهم فى حياة صاحبنا كانت فى أفغانستان.. وكأنه على موعد مع مأساة الشعب الأفغانى المشتت بين الجبال بفعل جرائم قادة طالبان الذين فسروا الإسلام على طريقتهم، فجلبوا على شعبهم الخراب والدمار، كما حولوا كل مسلم إلى متهم حتى تثبت برائته.. فى كابول كانت صدمته الأولى فى سوق "الدجاج " أشهر أسواق المدينة التى وجدها بلا طرق ولا كهرباء ولا خدمات ولا حتى بشر بعد أن أصبحت خاوية على عروشها.. صاحبنا يقارن بين صالات مطار دالاس فى واشنطن وعشش الصفيح فى مطار نادر آباد، كما يقارن بين سوبر ماركت نيويورك وأكشاك الباعة فى شوارع كابول..
فارق كبير بين التقدم والتخلف وبين الاستقرار والفوضى وبين الديمقراطية وحكم العصابات.. إنها الحروب والصراعات السياسية التى تتحول فيها الشعوب المستضعفة إلى وقودها سريع الاشتعال.. فى دور الأيتام والمستشفيات والمدارس والقرى النائية والتى كانت كلها قبلة لصاحبنا يبحث فيها عن الضحايا وبقايا البشر الذين يصارعون الحياة من أجل كسرة خبز وجرعة مياه كانت تقاريره تركز على هؤلاء الناس الذين لا حول لهم ولا قوة فدفعوا ثمناً باهظاً للصراع الطويل الذى خاضته بلادهم مع القوى الكبرى على مدار عقدين كاملين.. تارة مع الإتحاد السوفيتى السابق وتارة أخرى مع الولايات المتحدة..
تجربته وسط جبال أفغانستان الموحشة دفعته للتعرف على تاريخ هذه البقعة من العالم خاصة أنها كانت وعلى مدار التاريخ بؤرة لتنازع القوى الكبرى فى العالم.. فقد غزاها الإسكندر الأكبر والعرب والمغول وبريطانيا حتى اجتاحها الروس فى نهاية القرن الماضى، وكانت نهايتهم فيها حتى أن بعض المحللين يرون أن أفغانستان كانت مقبرة الإمبراطورية الروسية وربما تكون مقبرة للأمبراطورية الأمريكية أيضاً..
على كل حال تكررت رحلات وزيارات صاحبنا إلى هذه البلاد حتى بعد سقوط حكم طالبان ودخول القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة التى يرى أنها كانت عملية ناجحة بينما الواقع يثبت بأن نجاحها يظل معلقاً لحين الإعلان عن انسحاب آخر جندى أجنبى.. شعوب هذه البلاد أثبتت عبر التاريخ أنهم مستعدون للموت فى سبيل تحريرها من الأجانب والغزاة.
قبل أيام تلقيت دعوة كريمة من الكاتبة نوال مصطفى، رئيس تحرير سلسلة كتاب اليوم، للمشاركة فى صالون أخبار اليوم بجانب كل من الكاتب الكبير نبيل زكى، رئيس تحرير صحيفة الأهالى السابق، والكاتب يحيى غانم رئيس القسم الخارجى بصحيفة الأهرام.. كان النقاش يدور حول كتاب "خلف الستار.. الوجه الآخر لأفغانستان" لمؤلف الكاتب الصحفى المتميز خالد منصور الذى أمتعنا بمحتوى كتابه، وقدم لنا صوراً حية وجوانب إنسانية نادرة من واقع الحياة فى هذا البلد الممزق بلارحمة..
هذه الصور وهذه اللوحات القلمية عكست روح خالد الشفافة ومشاعره الصادقة وموهبته الطاغية تجاه بشر ذهبوا ضحايا لحروب لا ذنب لهم فيها.. محتوى كتاب خالد منصور يعد وجبة كاملة الدسم لمن يرغب فى التعرف على ما جرى ومازال يجرى على أرض أفغانستان.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة