اتفقنا بالأمس على أنه لا توصيف أفضل من "اليوم الحرام" يمكن أن نصف به يوم الانتخابات الذى عشناه الأحد الماضى، ولا توصيف لتلك الانتخابات أفضل من كونها انتخابات الحرام والذنوب، فما حدث على أرض فى ذلك اليوم من خطايا يكفى لأن يجرنا إلى باب نار جهنم لو استبدل رب العزة رحمته بميزان عدالة فقط، على اعتبار أن الأرض لم تشهد يوما فسادا وتزويرا وصمتا وسلبية كالذى شهدته فى 28 نوفمبر الماضى.
راجع أحداث الانتخابات الأخيرة وتقارير المجتمع المدنى ومانشرته الصحف وستعرف أن أى محاولة لحساب الحرام والحلال فى انتخابات برلمان 2010 ستبدو مضحكة وبائسة فى نفس الوقت وستبدو معها صورة البرلمان المقبل وكأنه برلمان مصيره النار من كثرة الآثام التى ارتكبها مرشحوه لكى يصلوا إلى مقاعده، هات ما تشاء من الشيوخ ورجال الدين واسألهم عن فعل واحد صالح حدث يوم الأحد الماضى، هات ماتشاء من الشيوخ وأهل العلم والسياسة واسألهم عن الحلال والحرام فى انتخابات برلمان 2010 ولن تجد سوى فعل ذهاب المواطن الشريف إلى اللجان لأداء الأمانة والإدلاء بصوته هو الذى يستحق أن يوضع فى خانة الحلال على اعتبار أن الصوت الانتخابى شهادة حق وكتمان الشهادة ذنب لم يغفره القرآن ولم تسامح فيه السنة وتعتبره الأعراف والتقليد من أفعال العيب وعدم الرجولة، حتى أن دار الإفتاء المصرية نفسها خرجت على المصريين بفتوى رقم 10330 والتى تنص على ضرورة مشاركة المسلم فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، حتى وإن كان على علم مسبق بأن هذه الانتخابات سيتم تزويرها لصالح أشخاص بعينهم، ورد الشيوخ على مسألة التزوير هذه بالقول خير للمواطن أن يذهب ليبطل صوته بيده من أن يكتم شهادته فى صدره، وإذا كان النداء فى تلك الفتوى بالمشاركة الانتخابية دينى فهو أيضا يحمل جانبا سياسيا يتعلق بضرورة تدريب المواطن المصرى على الإيجابية بعد سنوات عاشها فى ثلاجة الخوف من ممارسة حقوقه السياسية، أعرف أنك ستقول وما ضرورة المشاركة حتى وإن كانت غرضها إبطال الصوت طالما أن الأصوات تدخل إلى الصناديق وهى تقول "لا" وتخرج منها إلى ترابيزات الفرز وهى تقول "نعم" للمرشح الذى يريده الأمن وتريده الحكومة.. عندك حق ياسيدى ولكن ألم يحن الوقت لأن نخبر هؤلاء الذين يقيمون فى قصور السلطة أننا نعرف يوما ما سيأتى قريبا تصبح فيه لأصواتنا قوة تعجزوا أمامها عن التزوير، ألم يحن الوقت لأن نضرب لأبنائنا مثلا فى المشاركة بدلا من الركون إلى ضل الحائط الذى كان سببا فى ما وصلنا له الآن.
إذن إدلاء المواطن بصوته- إن كان قد نجح فى أن يفعل ذلك أصلا- هو الفعل الحلال الوحيد ضمن قائمة أفعال وأحداث يوم الانتخابات فى الأسبوع الماضى التى سقطت فى بئر الحرام وتلوثت به ولوثت معها تاريخ البلد ومستقبلها، وهل هناك حرام أكثر من شراء الأصوات واستغلال حاجة الناس للمائة جنيه أو الخمسين فى عصر أسعاره لا تعرف طريق النزول أو الانخفاض أبدا؟ هل هناك حرام أكثر من أن يتحول المواطن المصرى إلى خائن للأمانات ويبيع صوته لمن يدفع أكثر؟ هل هناك حرام أكثر من تجارة الإنسان فى أمانة وضعها الله فى قلبه وسيسأله عنها يوم القيامة؟ هل هناك حرام أكثر من أن يبيع الناخب المصرى صوته ويبيع معه مستقبل أولاده لمرشح فاسد أو تاجر مخدرات مقابل 100 جنيه؟ أجب أنت عن الأسئلة السابقة بعد أن تعرف أن بورصة تسعيرة الأصوات فى الانتخابات الحالية شهدت ارتفاعا ملحوظا مع فتح باب الاقتراع ففى دائرة شبرا مصر، دفع مؤيدو مرشح الوطنى رضا وهدان فى الصوت الواحد 700 جنيه، و تسببت المنافسة الشديدة بين مرشحى الحزب الوطنى فى دائرة أكتوبر أحمد سميح وعبدالناصر الجابرى وإقبال السمالوطى "فئات"وأحمد حبيب ومحمد صبرى أبوصليب وخديجة عثمان" عمال" فى وصول سعر الصوت الذى يدفعه مرشحو الحزب للناخبين فى مقابل التصويت لهم إلى 200 جنيه، وفى دائرة كفر سعد بدمياط بدأ أنصار مرشحى الحزب الوطنى رفعت الجميل "فئات" وفتح الله رخا "عمال" فى دفع 100 جنيه مقابل الصوت الواحد، فيما وصل سعر الصوت الواحد فى دار السلام إلى 150 جنيها، وبين حاجزى الـ700 والـ200 تراوحت قيمة الأصوات وأسعارها فى بقية محافظات مصر حتى أن بعض المرشحين فى حدائق القبة نصبوا على المواطنين ودفعوا لهم 100 جنيه فقط بعد أن كان الاتفاق على 200 جنيه نصفهم قبل الاقتراع والنصف الآخر بعد منح أصواتهم للمرشح صاحب المنحة المشروطة.
لابد أن تعرف أيضا أن الكذب هو أصل الأفعال الحرام وأبشعها وانتخابات 2010 هى انتخابات الكذب كله، بداية من الوعود الحكومية بشفافيتها ونزاهتها ومرورا باعتبارها انتخابات حقيقية وانتهاءً بتصريحات ووعود المرشحين الذين إذا حدثوا الناس كذبوا عليهم وإذا وعدوهم أخلفوا وإذا أمنهم الناس على مصالحهم خذلوهم، فلم نسمع مرة عن مرشح وعد فأوفى اللهم إلا فيما ندر، ولم نسمع مرة عن مرشح ظهر فى الدائرة وطاف على أهلها بعد أن حصل على كرسى البرلمان.. ألا يدخل كل هذا فى نطاق الأفعال الحرام؟!
تعالى أيضا وتابع تصريحات أحمد عز أمين الحزب الوطنى لتعرف كيف يمكن للكذب أن يكون هو الحرام بعينه حينما يتحول من مجرد كلمات عادية إلى كلمات تقلب الحقائق وتزيف الوقائع هل تصدق أن السيد أمين التنظيم رفع شعارا صباح يوم الانتخابات يقول "ليس منا من يعبث بصندوق انتخابات.. ليس منا من يفسد بطاقة اقتراع".. وجعل من الشعار رسالة محمول أرسلها لأمين كل وحدة حزبية كما يقول موقع الحزب الوطنى الديمقراطى، هل تصدق أن أمين التنظيم بعث برسائل أخرى نصها كالتالى: (الفوز بالأغلبية أهم أهداف الحزب فى الانتخابات.. لكن أهم أهداف مصر كلها هو إجراء انتخابات حرة.. حزبُنا مُصِرُ على تحقيق الهدفين معاً.. بل إن الهدف الثانى يسمو على الأول إذا ما تعارض الاثنان) و اسمع ياسيدى ودندن مع رسالة أخرى تقول: (فى أى انتخابات حرة، نعرف تماماً أن هناك مقاعد سنخسرها.. خسارة مقاعد فى انتخابات حرة ثمن سندفعه اليوم أو غداً.. كتابة التاريخ بالفوز بأغلبية فى انتخابات حرة، شرف نريد أن نبلغه اليوم قبل غداً).. بذمتك هل يوجد بعد كلام سيادة أمين التنظيم غير الضغط والسكر وفقع المرارة والترحم على حال البلد.. نكمل بكرة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة