حين أستمع إلى صوتها الدافئ الذى يفيض بالإيمان والرضا وذكر الله، ودعائها الدائم "ربنا يثبتنى على الإيمان حتى ألقاه" أشعر أننى أتحدث إلى إنسانة من طراز خاص، نموذج قلما تراه فى حياتك، ولا أبالغ إن قلت إننى لم أر مثله فى حياتى، ينتابنى إحساس وحالة غريبة طوال حديثى معها الذى أتمنى ألا ينتهى، كلماتها التى لا تخلو من الاستشهاد بآيات القرآن التى من الله عليها بحفظه وأحاديث الرسول، صلى الله على وسلم، والصدق الذى تستشعره مع كل حرف تنطق به فينقلك إلى عالم آخر ويعطيك هدنة مع النفس تستريح فيها من صخب الحياة وضجيجها وصراعاتها، فكيف لا تشعر بكل هذا حين تتحدث مع من تركت صخب الفن وأضواءه وكل إغراءاته وهى فى أوج شهرتها وجمالها وشبابها لا تريد إلا وجه الله الذى توجهت إليه بقلبها وعقلها ودموعها وهى فى بيته الحرام ففاض عليها بنوره ومنحها قوة للصمود أمام كل ما تعرضت له من هجوم وحرب ضارية نتيجة قرارها باعتزال الفن، بعد هذه الزيارة المباركة وارتدائها الحجاب ثم النقاب.
لم يتسع أفق الكثيرين لحجم هذا التغير فى حياة الفنانة شمس البارودى، لم يستوعب بعضهم أن رحمة الله وهدايته يمكن أن تتحول معها فنانة الإغراء إلى امرأة ساجدة عابدة زاهدة فى الأضواء وإغراءات المال التى انهالت عليها بعد قرارها الحاسم، ورغم أنها انسحبت فى هدوء دون أن تتقمص دور الواعظ ودون أن تجعل من نفسها حكما ومفتيا على غيرها أو تتخذ من حياتها الجديدة وسيلة أخرى للشهرة أو انتقاد زميلاتها إلا أنها تعرضت لحملة قاسية من بعض الأقلام التى شككت فى توبتها وادعت أن هناك جهات منحتها أموالا طائلة مقابل قرار الاعتزال، انهالت عليها حملات التجريح والسب ولم تفكر يوما فى الرد، لا تملك إلا البكاء والاحتساب إلى الله والدعاء بالصبر والثبات، بينما اتبع البعض الآخر معها سياسة الترغيب فى محاولة لكى تعدل الحاجة شمس عما عاهدت عليه الله فانهالت عليها العروض للعودة للفن مقابل أرقام خرافية وإغراءات لا حدود لها وبالضغط النفسى عليها بعرض أفلامها، فلم تجد أمامها سوى إعلان تبرؤها من كل ما قامت به من أعمال تتنافى مع ما أصبحت تؤمن به.
29 عاماً مرت على اعتزال الحاجة شمس البارودى، ورغم أنها غابت بصورتها إلا أن الحديث عنها لم يتوقف، ولا سيما الهجوم الذى تتعرض له من أن لآخر فهى أول فنانة تتخذ هذه الخطوة وتوالت بعدها خطوات فنانات أخريات.
29 عاماً ارتدت النقاب خلالها لمدة 20 عاماً وتركته منذ خمس سنوات، وفى العام الماضى كان لى شرف إجراء حوار صحفى مع الحاجة شمس البارودى بعد 28 عاماً من الاعتزال وكان ذلك بالتزامن مع الحملات الرسمية لمنع النقاب، وأشارت خلال الحوار إلى أنها سألت الشيخين الجليلين الشعراوى والقرضاوى عن النقاب فأكد لها الشيخ الشعراوى أن النقاب فضل وليس معلوماً من الدين بالضرورة وأنه لا يفرض ولا يرفض ومع ذلك ظلت ترتديه لأنها رأت أنه إذا كان فضل فلماذا لا تستزيد منه؟ ولكن منذ خمس سنوات كانت ستسافر لابنتها فى إنجلترا وكان هناك تضييق على المسلمين، خاصة المنتقبات بسبب تفجيرات لندن وسألت الشيخ يوسف القرضاوى فأكد لها أن الأصل فى الإسلام كشف الوجه فأعادت الحاجة شمس التفكير فى مسألة النقاب وقررت تركه لتلتزم بالحجاب الفضفاض، وبعد نشر الحوار تهافتت الكثير من البرامج الفضائية من كل الدول فى محاولة لاستضافة الحاجة شمس على شاشاتها وبإغراءات كبيرة لكنها رفضت أى ظهور وأكدت لى أنها تخشى أن تأخذها فتنة الإعلام، وأن تشغلها عن معية الله ورسوله فهى تقضى أغلب أوقاتها فى الصلاة وقيام الليل وقراءة القرآن وتكتفى بدورها كزوجة وأم وتتمنى أن تقضى باقى حياتها على هذه الحالة وألا يشغلها عنها شاغل وهذا ما جعلها ترفض عرضا مغريا بالملايين من إحدى القنوات الفضائية لعمل برنامج دينى فى رمضان الماضى.
ومنذ أيام ومع تكريم مهرجان دمشق السينمائى للفنان حسن يوسف عن مجمل أعماله عاد الجدل من جديد حول ظهور الحاجة شمس البارودى التى التقط البعض صورا لها أثناء حفل العشاء الذى دعا إليه وزير الثقافة السورى ظهرت فيها مرتدية ملابس سوداء فضفاضة وحجاب كبير دون نقاب فانطلقت التخمينات كالعادة لتؤكد أن هذا الظهور يعنى بداية مرحلة جديدة من حياتها، بل وبالغ البعض ليؤكد أن ظهورها بجانب زوجها الفنان حسن يوسف فى مهرجان سينمائى يثير التساؤلات حول نيتها مشاركته تقديم عمل فنى دينى جديد يتم الإعداد له.
تحدثت مع الحاجة شمس التى يبدو أن بقاء جمالها وعدم تغير صورتها رغم مرور هذه السنوات أوحى للبعض بأن هذا الظهور سيكون بداية لعودتها للفن مرة أخرى، كنت متأكدة من عدم دقة هذه الأنباء والتخمينات التى استقبلتها الحاجة شمس بعبارة "لا إله إلا الله ربنا يهديهم أنا اعتزلت الفن ولم أعتزل الحياة ولم أحرم ما أحل الله، ذهبت لسوريا مع زوجى وابنتى فهى بلد والدى وأقاربى هناك ولم أحضر حفل التكريم الذى تسلم فيه زوجى الجائزة ولكننى حضرت حفل العشاء الذى دعانا إليه السفير التركى ووزير الثقافة السورى" وأكدت مجددا أنها لن تعود للظهور على الشاشة مهما كانت الإغراءات قائلة، "لقد تحملت كل الهجوم والحرب التى شنها البعض على واحتسبتها ابتغاء لمرضاة الله لأن من يشترى رضا الله بسخط الناس يرضى الله عنه ويرضى عنه الناس وأدعو الله دائما أن يثبتنى ويتقبلنى"، مؤكدة أنها لا تحب مهنة التمثيل التى مارستها فترة شبابها ومراهقتها وأنها لو كانت تنوى التراجع عن قرارها ما كانت استطاعت الابتعاد عن الأضواء طوال 29 عاماً حتى إنها رفضت الظهور مع زوجها أثناء التكريم وفى البرامج التى استضافته بعد التكريم.
هذه هى الحاجة شمس البارودى التى أعرفها والتى ترفض أن يأخذها بريق الإعلام ويشغلها عن معية الله ورسوله حتى وإن كان من خلال برنامج دينى قد يعتبره الكثيرون وسيلة من وسائل الدعوة والربح الحلال، فهل تتوقف الشائعات التى تطاردها وهل يكتفى من هاجموها بهذا القدر ليتركوها لما اختارته لنفسها وهل نستوعب بعد كل هذه السنوات أن هذه السيدة اختارت ما هو أكبر وأعظم من كل بريق الفن ومغرياته!.