خلاص انتهت الانتخابات على خير كبير بالنسبة للحزب الوطنى ولجانه وسياساته، وجاءت لحظات الحسم للملفات الشائكة الراقدة فى الأدراج، وفى مقدمتها ملف الدعم للسلع الأساسية: الخبز، الكهرباء، الغاز، البنزين والسولار، القطاع الصحى.
اكتشفت الحكومة وخبراؤها منذ سنوات أنها عاجزة عن إيجاد حلول حقيقية لجذب الاستثمارات وإنعاش الاقتصاد الوطنى وتقليل العجز الكبير المتزايد فى الموازنة العامة والدين المحلى، وبالتالى تقف عاجزة أمام ارتفاع مؤشر التضخم الذى يعنى إحراق عموم الناس، ماعدا الأقلية الغنية طبعاً، بنيران الأسعار بدأ من أسعار الخضراوات وانتهاء بأسعار الدروس الخصوصية والفواتير الرسمية، تليفونات وكهرباء ومياه وغاز وإلخ..
ما العمل إذا كانت الحكومة عاجزة عن انتشال الاقتصاد الوطنى فى أزمته وفى الوقت نفسه باقية مثل الحجر الصوان على صدورنا؟ لابد أن يفكر الجهابذة من خبرائها ومستشاريها فى حلول لتقليل هذا العجز الكبير فى الموازنة وتراجع الاستثمارات الأجنبية، فكان أول شىء يفكرون فيه هو تقليص التزامات الحكومة تجاه القطاعات الأساسية التى تحتاج إلى الدعم، والإبقاء على السياسة التى تقضى بإحلال القطاع الخاص فى المجالات الحيوية مثل التعليم العالى فلم نشهد جامعة حكومية جديدة خلال السنوات العشر الأخيرة، فى الوقت الذى بدأت فيه الأسماء الغريبة للجامعات الخاصة بمصاريفها الباهظة تحل محلها، بما فى ذلك كليات الطب الخاصة غير المجهزة بمستشفيات جامعية لتدريب الطلاب.
أغنية الحكومة عن رفع الدعم تبدأ بمذهب ينعى الزيادة السكانية التى تأكل الأخضر واليابس من زرع الوزراء المجتهدين، ثم يعقبها مباشرة كوبليه عن فاتورة الدعم وكيف تبلغ مائة مليار جنيه.. ياه، رقم مهول فعلاً تدفعه وزارة المالية لمخصصات مثل الكهرباء والغاز والخبز والمياه والقطاع الصحى، تخيلوا!!
ثم يأتى الكوبليه الأخير من الأغنية بأن ثلثى المائة مليار جنيه يذهب إلى الأغنياء لا الفقراء! إزاى يا حكومة؟ فترد الحكومة بأن الأغنياء لديهم سيارات تستهلك البنزين، ولديهم أجهزة كهربائية كثيرة تستهلك الكهرباء، ولديهم بوتاجازات كبيرة تستهلك الغاز والبوتاجاز ولديهم أحواض سباحة وجاكوزى، وحمامات فخمة تستهلك كميات كبيرة من المياه!.
إذا افترضنا أن مطربى الحكومة عقلاء والمستمعين من أغلبية المواطنين مجانين، ستكون النتيجة بعد التصفيق الحار فى التليفزيون الرسمى والندوات المكيفة، أن فاتورة الدعم التى ستمتنع الحكومة عن سدادها ستقلل من نسبة عجز الموازنة، نعم ونسبة الدين المحلى صحيح، ولكن حتى حين، وفى الوقت نفسه ستحرق الأغلبية من الناس الذين يعيشون تحت خط الفقر أو ملاصقين له وفوق بقليل وهم معظم الشعب المصرى، بما فيهم الذين يركبون سيارات تسير ببنزين 80 ويستهلكون الكهرباء فى الإنارة فقط، والغاز فى طهى ما يتيسر من طعام، والمياه فى الشرب والأغراض الأساسية الأخرى.
السؤال الذى يحيرنى كلما سمعت أغنية الحكومة عن ترشيد الدعم وتخفيف فاتورته الباهظة، أين ستذهب الحكومة بمواردها إذا لم تخصص معظمها لدعم حياة الأغلبية الفقيرة والكادحة ومعدومة الدخل؟
وأين تذهب موارد حكومات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، هذه الدول العريقة فى تطبيق الرأسمالية؟
إذا عقدنا المقارنة وبحثنا عن إجابات حقيقية سنكشف الكثير حول حكومات الدول الرأسمالية الرحيمة وحكومتنا المتوحشة التى تؤدى دور الرجل التركى الذى أضاع ثروته بممارسات خاطئة فقرر أن ينظم المرور بنفس العنجهية التى كانت تبرزها ثروته الضائعة!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة