إذا أردت أن تعرف كيف تدار أزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكيف تتعامل الجهات المعنية مع ما يجرى، عليك أن تتأمل عملية إدارة أزمة ظهور الفك المفترس، المعروفة بالقرش المفترس.. منذ اللحظة الأولى لظهور القرش وهجماته على السائحات والسائحين، سارع مسؤولون ليعلنوا أنه لايوجد قرش ولا فك مفترس، ولا حاجة، وأن الموضوع كله أوهام وأحلام يقظة، صورت للسياح أن هناك شيئا يشبه القرش، قالوا إنه قرش، وهو ليس كذلك، وإنما سمكة سياحية تداعب السياح..
وبعد النفى، تكررت هجمات القرش، واضطرت الأجهزة المعنية للإفصاح عن الحدث، لكن مع التقليل من خطورته، مع أن القرش لو كان، فهو أمر طبيعى لاعلاقة لنا به، وموجود فى أماكن كثيرة من العالم، ولاشىء فى الاعتراف بالقرش يدعو للخجل أو الإنكار.
وكان الطبيعى أن يتم استدعاء المتخصصين والخبراء. وحسبما نعلم لدينا معهد لعلوم البحار فى الإسكندرية، ويفترض أن يكون عندنا معاهد ومراكز لعلوم البحار تنتشر على شواطئنا، وتعرف ماذا تخبئ بحارنا. لكن الأزمة كشفت لنا عن أزمة أخرى لاتقل عن القرش وخطره، فالقرش مقدور عليه، لكن ما هو غير متصور أن تتم الاستعانة بخبراء أجانب، قبل معرفة ماذا لدينا. لكن ما جرى منذ اللحظة الأولى للاعتراف بالقرش أنه انفجرت آبار التصريحات والتحليلات التى كانت تصدر فى الغالب من أناس لاعلاقة لهم بالقرش، تحليلات تقول كلاما عن القرش دون أن تعرف عنه شيئا.
ولم يكن أغرب من هجمات القرش إلا التفسيرات التى أطلقها خبراء أو متمحكون، كل الناس تحدثوا إلا الخبراء، ولم يفكر أحد فى استدعاء خبراء علوم البحار، وأظن أن الأشخاص الوحيدين الذين لم يقولوا آراءهم هم الخبراء، وأفتى إعلاميون ومراسلون ومحللون ومحرمون فى الأزمة من كل الجهات.
وجدنا تفسيرا يقول إن إلقاء بعض الخراف النافقة تسبب فى تهييج أسماك القرش، لكن آخر نفى وقال إن بعض السياح يلقون اللحوم فى البحر مما يجذب «القروش»، وخرج عبقرى ليقول إن كثرة الغطس تثير القرش، أو أن السياح يلعبون مع «القروش» فتصاب بالتوتر العصبى الافتراسى وتهاجمهم. ولا مانع من توجيه اتهامات لأيد خفية أو دول معادية بإطلاق القرش علينا لتدمير السياحة.
واكتشفنا أن كل الجهات من بيئة وسياحة وخلافه تفتى فى الموضوع، وكل جهة تستبعد نفسها، وتشير مباشرة، أو رمزا، إلى جهة أخرى. وتم الإعلان عن اصطياد القرش المتهم، وقالوا إنه اعترف بأنه المفترس، لكن رغم اعتراف القرش الأول تكررت الهجمات، الأمر الذى كشف عن عصابة كان يقودها المرحوم القرش الأول.
وتواصلت التفسيرات والتحليلات، ولم نسمع شيئا عن علماء البحار خاصتنا، وما آراؤهم، وما إمكاناتهم، ولو لم يكن لدينا أبحاث لعلوم البحار ولدينا كل هذه الشواطئ، فهذا يعنى أن وزارتى التعليم والبحث العلمى بقيادة الدكتور هانى هلال، تلعبان الاستغماية، أو ربما تجهلان ما لدينا من معاهد وأبحاث. ومثل قضية القرش تدار كل مشاكلنا، حيث يترك الميكروفون لخبراء لا يعرفون، ويبقى المختصون فى الظل، ولهذا يعيش «القروش» فى البحر وفى الحكومة والبرلمان.