لم أشعر بأى تفاعل مع الانتخابات البرلمانية التى جرت مؤخرا قبلها أو أثناءها أو بنتائجها، اتخذت قرارى بعدم الترشح فيها مبكرا واعتذرت للإخوان عن قبول دعوتهم الكريمة بالترشح فى دائرة أخلوها لشخصى الضعيف، فالإرهاصات كانت بكيرة تتيح لمن يحسن التدبر قراءتها بوضوح، ويوم الانتخاب ذهبت إلى مكتبى كما هى العادة، الاستثناء الوحيد هو انتقالى للأقصر دعما لأخى وصديقى الباحث النابه والصحفى الحر ضياء رشوان وهو التزام شخصى وأخلاقى تجاهه، وحسنا إنه خسر فى الإعادة، لأنه خسر مع كل الشرفاء الذين تكالبوا عليهم ليسقطوهم.
لم يكن اهتمام رجل الشارع فى مصر بالانتخابات البرلمانية باديا أيضا، فقد أدرك بحسه الوطنى أن الأمور ليست على ما يرام فقاطع وامتنع منذ فترة مبكرة أيضا، وهكذا اتسمت أجواء الحملة الانتخابية بفتور غير مسبوق، فلم نشهد أو نلحظ مؤتمرات حامية الوطيس مثلما كانت فى الانتخابات التى جرت عام 2005، فى تلك الآونة بذل الحزب الحاكم محاولات محمومة لوقف تقدم الجماعة التى يصفونها هزلا بالمحظورة، كان الإشراف القضائى الشامل يبعث على الطمأنينة النسبية لدى المواطن المصرى الذى بدأ يستعيد ثقته فى إمكانية التغيير من خلال العملية الانتخابية، ومرت الجولة الأولى من الجولات الثلاث فى تلك الانتخابات لتؤكد تفوق الإخوان وأنها الحزب الوحيد المؤثر المنافس للحزب الحاكم، وعبثا حاول الأخير استدراك الموقف وتناسى حكاية الإشراف القضائى وسيطر بكل الوسائل الأمنية البوليسية على اللجان
لم يبد الفتور الشعبى بالانتخابات الحالية مفاجئا، بالعكس كان متوقعا، ومنذ طرح الرئيس مبارك على الشعب تعديلات دستورية على العديد من مواد الدستور، أهمها نسخ الرقابة القضائية الشاملة من الانتخابات، أدرك الجميع أن الانتخابات المقبلة ستشهد تأميما للعملية الانتخابية، وتكرر الحديث عن صفقة ما أبرمها الحزب الوطنى الحاكم مع أكبر الأحزاب على الأقل تاريخيا وهو حزب الوفد ومعه حزبا التجمع والناصرى على أن يمنحهم إرث الإخوان فى مجلس الشعب وهى المقاعد الـ88 التى شغلها نواب الإخوان فى الدورة الماضية، وكان أداء الوفد فى الشهور الأخيرة التى سبقت الانتخابات قد شهد تراجعا أقلق الدوائر الشعبية من دوره فى الصفقة المزعومة، مع ما تردد عن دور قيادات وفدية رفيعة المستوى فى إنهاء سيطرة إبراهيم عيسى على جريدة الدستور لحساب النظام.
لم يستجب الإخوان أيضا لكل النصائح التى وجهتها إليهم قوى ورموز سياسية مصرية مستقلة، واستمروا فى خوضها وهم يعلمون أنهم يضفون شرعية على تلك الانتخابات، بالرغم مما يجرى ضدهم على الأقل، فقد استبعدت دوائر محسوبة على النظام مرشحى الإخوان من دوائر مختلفة أبرز الحالات سخطا هو استبعاد نواب الإخوان المترشحين على مقاعد العمال فى الإسكندرية ومدينة نصر, وكانوا قد اكتسبوا عضوية البرلمان فى الدورة الماضية بذات الصفة!! وتم القبض تباعا على أعوان مرشحى الإخوان فى الدوائر المختلفة، ورفضت اللجنة العامة للانتخابات إدراج مرشحين تابعين للإخوان حصلوا على أحكام قضائية بإدراجهم فى كشوف المرشحين!!
استبق الحزب الحاكم بأدواته وأذرعة أجهزته المختلفة القوى السياسية بضربات إجهاضية وقائية عندما قرر وزير الإعلام غلق حوالى 15 قناة فضائية ذات تصنيف «إسلامى» يخشى من تأثيرها على الناخبين حتى لو كان ذلك بصورة غير مباشرة لصالح مرشحى الإخوان!! ثم كانت احتجاجات الحزب الحاكم ضد برامج توك شو فى بعض الفضائيات المصرية الخاصة مثل قنوات الحياة والمحور ودريم وهى برامج ساعدت كثيرا فى الانتخابات الماضية فى دعم المعارضة وتنوير الجماهير وتحقيق زخم شعبى كبير، ولعل دوائر السلطة استهدفت من كل هذه التحذيرات الإعلامية تحقيق المثل الدارج «اضرب المربوط يخاف السايب» والمربوط هنا طبعا الفضائيات المصرية والسايب بالضرورة هو قناة الجزيرة الفضائية ومكتبها المؤثر بالقاهرة.
تشعر الحكومة المصرية بالضجر من كل المطالبات بتحقيق قدر من الرقابة الإيجابية على العملية الانتخابية فى جميع مراحلها، ورفضت اللجنة العامة للانتخابات، وهى تضم عناصر شغلت مناصب تنفيذية وإدارية، منح منظمات حقوق الإنسان فى مصر صفة «المراقبة»، فضلا عن رفضها المطلق أى مناقشة لفكرة الرقابة الدولية على الانتخابات رغم أن مصر نفسها شاركت فى الرقابة على الانتخابات فى إطار دولى فى عدة نماذج ببلدان ودول أجنبية شهدت توترا بين الحكومات فيها والمعارضة، ولم تر بأسا فى ذلك، وانتقد الحزب الوطنى الحاكم هيئة الإذاعة البريطانية (بى.بى.سى) لما سماه «عدم موضوعيتها فى تغطية انتخابات مجلس الشعب 2010 وعدم مراعاتها قواعد المهنية فى التغطية الإعلامية لفاعليات العملية الانتخابية، وتجاهلها عرض وجهات النظر المختلفة»، هذا فى الوقت الذى فتحت فيه جميع وسائل الإعلام فى مصر المقروءة والمسموعة والمرئية منابرها للحزب الوطنى الحاكم وبرنامجه ومرشحيه رغم حق المعارضة وسائر المرشحين عن الأحزاب الأخرى والمستقلين فى فرص مساوية ومماثلة على الأقل فى وسائل الإعلام القومية المملوكة للشعب!!
يبدو أن الحكومة المصرية ونظامها لم يعيروا اهتماما كبيرا للأصوات التى انتقدت الإجراءات المعيبة التى أحاطت بالعملية الانتخابية جملة وتفصيلا من حيث سيطرة الحزب الوطنى الحاكم على كشوف الناخبين وقيدهم، وتوزيع الدوائر، وعدم الاعتماد فى التصويت ببطاقة الرقم القومى، وعدم تحقيق الشفافية برقابة دولية أو محلية حقيقية ووصولا لسيطرة الأجهزة الحكومية على اللجان الانتخابية مع غياب قضائى، واقتصر اهتمام دوائر السلطة فقط بانتخاب مجلس يبقى تحت السيطرة لحين إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة مع ما يكتنفها من غموض من حيث مرشح الحزب الوطنى الحاكم وما يمكن تسميته بعملية انتقال السلطة انتقالا آمنا أو ما يصفه البعض بالتوريث.
إذا كان الحزب الوطنى الحاكم لم ينجح -رغم تحقيقه أغلبية كاسحة فى مجلس مشهود له مسبقا أيضا بقصر مهمته- ستلحقه الطعون من كل جانب، وسنذهب بنتائجه وطعونه إلى الدستورية العليا، وأنه سيكون أقصر برلمان فى تاريخ مصر, وقد تابعت باهتمام التصريحات الجريئة للمستشار محمود أبو الليل وزير العدل السابق التى انتقد فيها أجواء الانتخابات وما انتهت إليه، لكنى كنت أود أن أقرأ أو أتابع موقفا شجاعا لأى مسؤول حزبى رسمى يتحدث عما جرى بموضوعية وواقعية.
لكن الأحزاب المعارضة أيضا ومعهم الإخوان فشلوا ليس فى نتيجة الانتخابات فحسب، لكن أيضا فى إقناع الشعب بدورهم أو بصفتهم معارضة وعطلوا حركة التغيير والإصلاح عندما ارتضوا المشاركة فى انتخابات تغيب عنها الضمانات الدستورية والقانونية المناسبة وسلموا أنفسهم لمقص الرقيب، من غير أن يبذلوا الجهد المناسب لتحقيق إصلاح حقيقى، لم يتفاعل الشعب مع قرار الوفد والإخوان بالانسحاب من جولة الإعادة لأنه جاء متأخرا يكشف عن انتهازية سياسية.
إلى الذين يتساءلون كثيرا عن صمت الشعب وسكوته.. إنه ما عاد يثق فى نخبه ورموزه.. افهموها بقى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة