التأثير المصرى فى أفريقيا لم يغب، رغم تغيير اتجاهنا خلال العقود الماضية من الجنوب إلى الشمال الأوربى، فما زال الوجدان فى كثير من البلدان الأفريقية مشبعاً بالثقافة والفنون المصرية وبالصورة المدافعة عن الشعوب المقهورة والنامية، تلك الصورة التى تكونت خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، وتنتظر إحياءها لتأكيد المصالح المصرية فى محيطها الأفريقى الطبيعى.
تنزانيا على سبيل المثال، وحسب التقرير الذى نشره طارق عبد الفتاح فى "اليوم السابع"، أمس، تعرض فيلماً مصرياً كل أسبوع وتطلب حفلات أم كلثوم وغيرها من عيون الفن المصرى لإشباع وجدان الشعب التنزانى المرتبط بمصر، ومثل تنزانيا عديد من الدول الأفريقية التى ما زالت تستخدم الجرارات الزراعية ماركة "نصر"، ويتذكر أهلها الأقمشة والمصنوعات المصرية والمدرسين المصريين إلخ.
أفريقيا ما زالت تفتح ذراعيها إلينا، لا تحتاج منا إلى تخطيط كبير ولا إلى جهد لاختراق وجدانها ثم أسواقها ولا تحتاج إلى فواتير ضخمة من المنح التى تفتح الأبواب أمام تحقيق المصالح، يكفى أن نستغل الرصيد المصرى الموجود والباقى لدى معظم الدول الأفريقية التى نالت استقلالها خلال النصف الثانى من القرن العشرين، وهو رصيد يسمح لنا بالوجود الكثيف اقتصادياً وفتح عشرات الأسواق أمام الصناعات المصرية.
كان الراحل الكبير محمود عوض، من أوائل الذين أشاروا إلى الأصول المصرية المهملة فى العديد من الدول الأفريقية، منشآت ومنافذ تجارية مغلقة، ومساحات من الأراضى كانت تستخدم كأسواق مفتوحة للصادرات المصرية التى عرفت طريقها مبكراً إلى العواصم الأفريقية.. إلخ ، وهى أصول تحتاج إلى إعادة حصر وتخطيط لاستخدامها مجدداً فى مشروع عودة القاهرة إلى أفريقيا بقوة، استناداً إلى الحضور المصرى الطبيعى فى العمق الأفريقى ودفاعاً عن مصالحنا الحيوية التى دخلت عليها أطراف خارجية واستطاعت التشويش عليها.
العودة إلى أفريقيا من ناحية ثانية، تمثل حاجة ملحة فى مشروع التنمية المصرى، فما زالت عديد من البلدان الأفريقية الصديقة تمثل أسواقاً جيدة للمنتج المصرى، وما زالت تمثل كذلك فرصاً هائلة للاستثمار الزراعى، خصوصاً فى المحاصيل الحيوية مثل القمح وقصب السكر والأرز، الأمر الذى يعنى إمكانية التوسع فى إنشاء المزارع المصرية بأيدى الفلاحين المصريين على الأراضى الأفريقية الغنية، والتى لا تعانى أى أزمات مائية، لسد الفجوة فى المحاصيل الغذائية الرئيسية وتوفير الرصيد المائى المصرى المستخدم فى بعض المحاصيل الشرهة للمياه مثل الأرز.
باختصار أفريقيا هى مستقبل مصر، وهى تفتح ذراعيها إلينا فهل نلتفت إلى طوق النجاة؟.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة