جاءت نتائج الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب متوقعة وطبيعية بالنسبة للمواطنين البسطاء وعدد كبير من المحللين السياسيين المستقلين، فالجانبان رغم الفوارق النظرية بينهما، توقعا استئثار الحزب الوطنى بالجانب الأكبر من مقاعد البرلمان بطريقة أو بأخرى، وأن الشكل الوحيد والفعال من المعارضة هو المقاطعة وعدم المساهمة فيما يجرى، بالوقوف مثل الكومبارس الصامت فى خلفية المشهد بينما المخرج يتلاعب بممثليه بكلمة "أكشن".
البسطاء والمحللون السياسيون المستقلون يرون أن الحزب الحاكم يريد برلماناً طيعاً، بلا أقلية معارضة تزعجه أو تؤخر ما يريد تمريره، خاصة وأنه مقبل على عام الانتخابات الرئاسية، وكذلك على دورات تشريعية ساخنة، قد تشهد تعديلات دستورية جديدة، كما ستشهد بالتأكيد تمرير قوانين جديدة شهدت اختلافا وانقساما كبيرين مثل قانون التأمين الصحى.
لكن المعارضة المحترفة، سواء حزبية سياسية أو الإخوان، راهنت على احتياج الحزب الحاكم لصورة برلمانية مقبولة تبدو فيها المعارضة هامشاً ظاهراً منفثاً عن غضب الشارع، ومقنعا أمام وسائل الإعلام الغربية، لكنه لا يعوق تمرير القوانين أو التعديلات عبر كتلة الأغلبية التى تتجاوز ثلثى الأعضاء.
من هنا جلس البسطاء على مقاهيهم ينفثون دخان الشيشة ويبتسمون للشمس المشرقة يوم الأحد الدامى، وجلس المحللون السياسيون فى الفضائيات والجرائد، يتابعون الموقف لحظة بلحظة ليؤكدوا وجهة نظرهم، بينما انشغلت المعارضة الحزبية المحترفة، أولا بنفى وجود صفقات بين الذئب والغنم، ثم انشغلوا ثانية بعد وحساب الدوائر المعارضة فى البرلمان الذى أضيف إليه 64 مقعداً نسويا.
هناك من خصص للإخوان 15 مقعداً، ومنح الوفد قرابة الثلاثين وأعطى المستقلين 20 مقعدا، كما خص الأحزاب الشاردة والهائمة والكرتونية بعشرة مقاعد أخرى، بالإضافة إلى السماح لعدد من المشاهير بالنجاح والمرور على اعتبار أنهم من زينة البرلمانات ووجهائها.
نتائج الجولة الأولى أثبتت أن السياسة بلا قلب تقريبا، وأن الوعود أثناء الليل، تختفى بعد شروق الشمس ووصول صناديق الاقتراع إلى اللجان، لأول مرة يخيب ظن المعارضة الحزبية بنسبة مائة فى المائة، اللعبة تغيرت دون علم بعض أطرافها، وبينما علم الناس البسطاء أن من ظهروا على الشاشات من وجهاء المعارضة، وأعلنوا عدم وجود صفقات مع الحزب الوطنى كانوا صادقين، علم وجهاء المعارضة الذين أداروا الصفقة مع الوطنى وفق اللعبة القديمة، أن اللعبة نفسها تغيرت من وراء ظهورهم، وأنهم تعرضوا لما تعرض له المماليك فى مذبحة القلعة.
مشهد سياسى بمليون جنيه، لا بمليارات تسدد ديون مصر، المعارضة وقعت على عقد التمثيل المشرف فى البرلمان، ثم اكتشفت أن المطلوب برلمان هادئ تماما بدون تمثيل ولا مشرف، وأنهم لم يكن مطلوباً منهم سوى التمثيل المشرف فى الانتخابات، الأنكى الذى يصيب المرء بالسكر والأزمات القلبية، أن المعارضة لم يعد بمقدورها قلب الترابيزة وهدم اللعبة وإعلان الانسحاب، قانوناً لم يعد بمقدورهم إلا الاستمرار حتى لو أعلنوا الانسحاب أمام الجمهور.
وأعتقد أن خطاب المعارضة العالى سيهدأ تدريجيا وصولا إلى الصمت يوم الإعادة الأحد المقبل طمعا فى كرم الحزب الوطنى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة