حين تسمع تبريرا واحدا لما جرى فى مهزلة انتخابات مجلس الشعب الماضى، تتأكد أنك فعلا فى مصر، وحين تسمع شخصا مثل الدكتور مصطفى الفقى يقول: "إن ما حدث يوم الانتخابات فى مصر من تجاوزات هو من الأشياء الطبيعية التى تحدث فى كل انتخابات فى دول المنطقة، مثل الأردن وأفغانستان وغيرهما"، يصيبك الهم والغم من نخبة تطرح تبريرها على هذا النحو البائس.
ورغم أن كلام الفقى الذى وضع من خلاله تجربة الانتخابات المصرية فى وعاء واحد مع الأردن وأفغانستان يمكن تفسيره على أنه قدحا وذما لعموم التجربة الديمقراطية فى مصر، إلا أن المثير فيه أن الفقى اختص هاتين الدولتين فى المقارنة مع مصر، وتجاهل مثلا تجارب أخرى تحمل حيوية كبيرة، مثل الانتخابات فى تركيا وإيران ولبنان والكويت والبحرين، ودول أخرى بما فيها إسرائيل، صحيح أن هذه الدول تقوم تجربتها الانتخابية على أسس طائفية كما هو فى لبنان، وعنصرية كما هو فى إسرائيل، لكن على الأقل فإنها تحترم أسس عملية التصويت كمرحلة أخيرة فى الانتخابات، ولا نرى فيها أسوأ ما فى الانتخابات المصرية وهو تقفيل الصناديق، وحرمان الناخب من حقه الطبيعى فى الإدلاء بصوته للمرشح الذى يختاره، لا نرى فى هذه الدول قيام الأجهزة الحكومية بالتصويت نيابة عن الناخبين، لا نرى فى هذه الدول تجاهل لأحكام القضاء، ولهذا لا نسمع فى نهاية المشهد شكوكا دولية فى نتائجها.
تتم الانتخابات فى هذه الدول التى هى من منطقتنا كما يعلم الدكتور مصطفى الفقى، وتكون عرسا ديمقراطيا حقيقيا، نرى فيه معارضة تنجح بمقاعد كثيرة ، وأغلبية تنجح بمقاعد طفيفة، وقل ما شئت فيها من طائفية وعنصرية، لكن لا نجد فيها سلب المواطن من أبسط حقوقه وهو التصويت لمن يرى، فلا نجد فيها صوت ناخب يذهب إلى مرشح آخر لا يريده هذا الناخب كما هو معمول به فى مصر.
اختار الدكتور مصطفى الفقى أضعف الحجج ليبرر بها انتخابات شاهد الناخبون كيف تركت الحكومة البلطجية ليشرفوا على إدارتها، وكيف تركتهم يقررون مصير بلد يحتاج بالفعل إلى شهادة دولية عن نزاهة الانتخابات، ليس من قبيل الشو الإعلامى، ولكن لأن نزاهة الانتخابات يترتب عليها ثقة فى المناخ السياسى الذى يحتاجه المستثمرون فى الخارج، حتى يأتون باستثماراتهم.
لا يليق يا دكتور مصطفى أن تضع مصر "انتخابيا " فى وعاء واحد مع الأردن على حداثة تجربتها الديمقراطية ولا أفغانستان التى هى تقع تحت الاحتلال، خاصة أنك ممن يتحدثون دائما عن مصر الرائدة فى المنطقة تاريخا وجغرافيا، وإذا كان هناك من يزاحم مصر فى هذه الريادة الآن، فإن المزاحمين بدأوا خطوات ريادتهم بالديمقراطية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة