تعليقات كثيرة ورسائل مهمة وصلتنى عقب هزيمة منتخبنا أمام قطر، ولكن أكثرها تأثيراً هو المثل الشعبى: «ارحموا عزيز قوم.. ذل».. قالها القارئ المخضرم ممزوجة بالحسرة والندامة والألم، وأشبه بالكوميديا السوداء.. قالها وعلى وجهه كل علامات التعجب والدهشة والاستغراب.. قالها وأخذ يرددها دون توقف ويتساءل: كيف ولماذا ينهزم منتخب ترتيبه الدولى التاسع بكل بهذه البساطة والسهولة واليسر دون إصرار ولا انتماء ولا حيوية ولا مشاعر تجعلك تبارك هؤلاء اللاعبين أو تتعاطف معهم؟.. هزيمة المنتخب المصرى أمام قطر تجعلك تلعن كرة القدم واستهانتها بمشاعر المصرين، وعدم احترام الجالية المصرية فى قطر التى قدمت إلى مطار الدوحة أثناء وصول شحاتة واللاعبين بكل ألوان العرفان والجميل وتمسكوا بهم على أنهم الأمل والحب الضائع فى قلوبهم، وأنهم سيخففون أوجاع الغربة التى يعيشونها فى قطر.. ظن هؤلاء الغلابة أن مشاعرهم وحبهم وخروجهم واستقبالهم وأعلامهم التى رفعوها ستجعل الجهاز الفنى واللاعبين يزلزلون ملعب الشيخ خليفة، ويقدمون عرضاً كروياً يليق باسم وسمعة هذا المنتخب الأفريقى الكبير.. ظن رجال الجالية المصرية الطيبون أن هؤلاء اللاعبين لديهم الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية يجعلهم قادرين على معرفة أن التفوق والاهتمام والمسؤولية والعزة والانتصار واجب مقدس من أجل إسعاد بشر يرون فى هذا النصر شفاء ودواء، ورفع قامة وسط جماهير كروية ناشئة تحاول جاهدة أن تلوى كبد الحقيقية، وتغير أدوات التاريخ، وتنسى ماضيا كان بالأمس لصالح الكرة المصرية.. لم يهتم الجهاز الفنى بكل هذا الاهتمام الجماهيرى، ولم يحرك لهم ساكناً، ويبدو أن خبراتهم الأخيرة فى الانكسار والهزيمة والتراجع جعلت جلودهم أكثر سمكاً بحيث تتحمل كل شىء، ولا تتأثر بعوامل التعرية، ولا يهزها تصفيق أو تشجيع أو بكاء جماهير زحفت إلى مطار الدوحة لتحتفى وتحتفل بأبنائها.
يبدو أن الأفكار الشيطانية التى روجها البعض حول أنها رحلة الهدايا وجمع الأموال وتجديد العلاقات الشخصية، كان الهدف الأسمى لهذه الرحلة السوداء.. يبدو أن فكرة السمسرة باتت هى الفكرة الأكثر رواجاً والأسمى فى دنيا جمع المال بعيداً عن المبادئ والقيم والأخلاق وحتى الأوطان.. يبدو أننا نعيش زمنا مباح فيه أن تبيع كل شىء.. وأى شىء لأنه على ما يبدو أن سعار المال قد سيطر تماماً على هؤلاء اللاعبين والجهاز الفنى، ولا صوت يعلو فوق صوت الكسب، سواء كان مشروعاً أو غير مشروع.
نعم نحن فى أزمة كبرى نريد أن يبررها لنا أحد المهتمين والمخلصين لماذا باتت الهزيمة جزءا من شخصيتنا.. ولماذا أصبحنا بلا دسم أو خالين من الكوليسترول الآدمى.. لماذا لا نفكر فى الانتصار.. هل لأننا جاهزون بأسباب الهزيمة دائماً.. هل سنظل نسمع من الجهاز الفنى طوال العمر أن غياب عماد متعب وزيدان والمحمدى وإصابة حسنى عبدربه هى السبب.. طيب.. ماذا لو لم يعد متعب؟.. هل سنظل ننتظر عودة سيادته؟، وماذا لو أعلن حسنى عبدربه اعتزاله فجأة، هل سنعلن إنهاء صلاحية المنتخب المصرى الكروى؟.. نعم الجهاز الفنى بقيادة حسن شحاتة يملكون أكثر من 20 لاعباً على قدر كبير من الموهبة والقدرة والجدارة، ولكنهم لا يحاولون ولا يفكرون إلا فى الماضى فقط، رغم أن الماضى وحده لا يصنع الانتصارات.. تسمعهم وهم يتكلمون عن محمد شوقى وحسام غالى وفين أيامهم.
يجب مراجعة ومحاسبة هذا الجهاز الفنى الذى أساء الاختيارات نظراً لعدم ضم عبدالله السعيد مثلاً، وهو لاعب على مستوى عال من المهارة والكفاءة، والذى أعتقد أن مكانه ومركزه كان خالياً.. بالطبع لن أتكلم عن الموهوب شيكابالا لأن أزمته مع المدير الفنى تحتاج إلى «عرافة» أو أحد المشاريخ الذين يستعين بهم الجهاز الفنى فى أوقاته العصيبة، ربما تكون هناك حلول للولد الشقى شيكابالا.. ولكننى أسأل: إذا كانت قائمة الفريق 23 لاعباً.. فلماذا سافر المنتخب بـ20 لاعباً فقط؟
هل كانت صدمة مفاجئة لم يعرفها حسن شحاتة ورفاقه أن أحمد المحمدى ومحمد زيدان لم يحضرا لأن المباراة ليست ضمن الأجندة الدولية.. أزعم أن ذلك خرافة من الخرافات.. طيب وبماذا يفسرون لنا ضمهم لاعب المقاصة أيمن حفنى وهم يعلمون جيداً أن هناك عائقاً أدبياً وقضائياً وأخلاقياً يمنع سفره.. من الواجب الوطنى ألا يفكر الجهاز الفنى أصلاً فى ضمه.. إذن، فلماذا لم نستفد بضم ثلاثة لاعبين فى هذه المباراة، عموماً لن أطيل على تعليقات القارئ العزيز الذى وجدت نفسى متعاطفاً مع أوجاعه، ولكنى سأكتفى بالقول المأثور القديم الذى قاله فعلاً «ارحموا عزيز قوم.. ذل» هو أقرب وأفضل ما يمكن أن يلخص حالة منتخبنا الوطنى المترهل الذى بات رحيله واجباً بعد حالة الذل التى يعيشها.