الخط الأول أفضل من الثانى، حلوان المرج، يسير القطار فى النور لمسافة طويلة وبعد «السيدة زينب» يبدأ النفق، بمجرد أن يدخله القطار يشعر الراكب منا بالاختناق والكآبة، النفق المظلم يبدأ بسعد زغلول، ثم السادات، ثم عبد الناصر، ثم أحمد عرابى، ثم حسنى مبارك، وبعد الرئيس الحالى مباشرة يخرج القطار إلى وجه الأرض، حيث النور والحياة.. لابد أن لهذا دلالة لا يفهمها إلا المترو!
لكن ليس لهذا فقط أنصحك بمترو الأنفاق.
مبدئيا لا تتضرر من نقل عربة السيدات إلى المنتصف، فهذا هو الصواب الذى كان يجب أن يتم من البداية؛ خير الأمور الوسط، ولا من خروج العربات عن القضبان، فكل شىء لدينا يخرج عنها، ولا من سوء التهوية وانعدام النَفَس، نحن نتحدث عن مترو «الأنفاء» وليس «الأنفاس»، ولا التأخر المستمر، فكل تأخيرة وفيها خيرة، ولا حتى من الأعطال المتكررة، فالتكرار يعلم فى أفضل الروايات الشطار.
ليس لهذا أيضا أنصحك به.
المترو هذه الأيام يقدم عروضا مسرحية حقيقية داخل عرباته، اركب واتفرج واضحك، تسوق واشتر وعش حياتك، ابتسم أنت الآن فى الهرم الرابع!
هل كنت تستطيع أن تقابل رجلا كهذا فى أى وسيلة مواصلات أخرى؟!
صعد فى المحطة الفاصلة بين الملك الصالح (رحمه الله) والسيدة زينب (رضى الله عنها)، فى يده علبة كرتونية صغيرة بنفسجية اللون، وزَّع ما بها على الركاب، وبعد أن انتهى قلب العلبة ووضعها على رأسه كطاقية، وقال:
اللى خد منى شوكلاتاية هيشتريها.. أنا مابفرَّقش.
سار بضع خطوات بين الزحام القليل، ثم رفع صوته مرة أخرى:
الشوكلاته دى فيها حليب على زبيب.. وبندق على فزدق.. وكاكاو على جوزة الهند.
خطوات أخرى:
الشوكلاته دى الأربعة بجنيه.. وببيع قطاعى بسعر الجملة.. يعنى اللى معاه ربع جنيه خد واحدة.. واللى معاه 25 قرش أحسن من اللى بيبحلق.
نادت عليه امرأة بعباءة سوداء وطفلين على رجليها:
هات واحدة يا عم.
أعطاها واحدة وقال:
اللى عاوز يجرب ياخد منها حتة.
رجع إلى آخر العربة:
والمفاجأة اللى هقولها لكم النهارده إن الشوكلاتة دى فيها مادة علمية اسمها «بيكى بيكى با» اللى يدوقها يقول: الله!
إلى كل من يجد فى نفسه موهبة التمثيل، أو الغناء، أوالمنولوج.
من أجل نجومية مضمونة وربح وفير.. أنصحك بمترو الأنفاق.
(من كتابى كرسى قلاب)
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة