من يتذكر الضجة التى أثيرت حين طلع نائب الرئيس السورى السابق عبد الحليم خدام على شاشات فضائيات عربية، للحديث عما قيل وقتها أنه سيكشف أسراراً خطيرة بشأن اغتيال رئيس الوراء اللبنانى رفيق الحريرى، يتعجب من النهاية التى أصبح عليها الرجل.
فأمريكا ترفض منحه تأشيرة دخول إلى أراضيها، وفشل فى الحصول على اللجوء السياسى إلى بلجيكا، ويقال إن فرنسا التى يقيم الآن على أرضها ضاقت به، بعد عودة العلاقات الفرنسية السورية إلى الدفء، وأن الحكومة الفرنسية أبلغته بضرورة الالتزام بمقتضيات الإقامة التى تفرض عليه عدم تعريض فرنسا إلى مشاكل سياسية وأمنية خلال إقامته.
تحدث خدام بعد انشقاقه على النظام فى سوريا عن المسئولية المباشرة لسوريا فى اغتيال الحريرى، لكن التسريبات التى ظهرت فيما بعد من المحكمة الدولية لمحاكمة المتورطين فى الاغتيال لم يظهر منها ما يدين سوريا.
كان خدام فى الموقع القيادى بسوريا الذى يسمح له بمعرفة الأسرار، لكنه حين ظهر فى الفضائيات العربية متحدثاً عما يعرفه عن اغتيال الحريرى، بدا وكأنه لا يعرف شيئاً، سمعنا منه كلاماً مرسلاً لا يرقى إلى دليل إدانة، وبعد هذا الكلام المرسل انطفأ نجمه، كعادة المنشقين الذين لا يصدقهم الرأى العام، لأنهم لا يحملون صدقاً فى أحاديثهم عن التغيير، بينما كانوا هم حجر الزاوية فى تثبيت الأوضاع التى انقلبوا عليها فجأة.
لم يكن خدام صادقا فيما قاله، بل إنه ظهر كألعوبة فى أيد قوى دولية تستهدف تصفية حسابات مع النظام السورى، وقادته هذه الدول إلى الحديث كثيرا عن تجاوزات نظام كان هو القيادة الثانية فيه، لكن غاب عن خدام أن عداء الأمس فى السياسة ومصالح الدول يتحول إلى صداقات فى لحظات، والغالب فى هذا هو المصالح العليا التى لا تتوقف على أشخاص مهما كان حجمهم وقدرهم.
ومن هذا المنطلق، رأت الأطراف التى شجعته على لعبته أن الغرض انتفى، ولم يعد الرجل يمثل أهمية لها، فضاقت به فرنسا، ورفضته بلجيكا، وترفضه أمريكا، تماما كما حدث مع شاه إيران عام 1979 حين هبت الثورة الإسلامية، وخرج من بلاده، ورغم أنه كان الحليف الأول لأمريكا فى المنطقة إلا أنها رفضته لاجئا لها، هكذا الدرس الذى لم يفطنه عبد الحليم خدام.