محمد فودة

محمد فودة يكتب.. فى «بون سواريه».. الحكم قبل المداولة!!

الخميس، 30 ديسمبر 2010 08:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الحكم قبل المداولة.. هذا ما حدث فى فيلم «بون سواريه» فقد اشتعلت الآراء وبدأ سيل التجريح لمجرد مشاهدة إعلانات «التريلر»، والمؤسف أنها أصبحت عادة يتسابق حولها الكثيرون ويظلم عشرات الفنانين بدون معنى.. بل إن هناك كثيرا من الفنانين تضم أسماؤهم إلى البلاك لست لا لشىء إلا لمجرد انتماء أسمائهم إلى الشائعات، أقول هذا لأننى أصبت بحالة من الفزع إزاء ما ردده الناس بعد متابعة إعلانات فيلم «بون سواريه» قبل عرضه، ولا أعرف لماذا أصبحت بطلة الفيلم غادة عبدالرازق مثيرة للجدل فى كل ما تفعله سواء فى الدراما التليفزيونية أو السينمائية.

ومن هذا المنطلق ذهبت لمشاهدة الفيلم مبكرا فى أيامه الأولى.. لأننى تخيلت أن الفيلم سيكون خادشا للحياء ومليئا بالعرى والمفاسد، وقلت فى نفسى: لماذا تهبط غادة عبدالرازق بعد أن وصلت إلى هذه المكانة؟ وإذا بى أفاجأ بأن الفيلم ذو هدف ومغزى عميقين وقد نجح الفيلم فى تقديم ذلك فى شكل خفيف الظل، استعراضى، اجتماعى، كوميدى، اختار صناعه أقرب النماذج إلى قلب وعقل المشاهد المصرى.

هو فيلم يحترم الأسرة. ويقدم الفكرة فى ترابط واع كتبه الأديب الاجتماعى المخضرم محمود أبوزيد الذى عرفناه أحد رواد السينما الواقعية الاجتماعية منذ أفلامه الأولى «العار» و«الكيف» و«جرى الوحوش»، وهو صاحب رؤية خاصة جدا وشخصية مبهرة مميزة له فى طابع إنسانى يجنح من خلاله إلى تجسيد الهموم الأسرية. فدائما أحداث أفلامه تدور فى أسرة مصرية، ولهذا فنحن نعيش معه تجربة خصبة فى كل عمل يقدمه ولا نتركه إلا بعد أن نحس أنه قد أشبعنا وأقنعنا.. أعماله ناجحة لأنه لا يكذب ولا يتجمل وكل ما يرويه على الشاشة هو من خلال حكاء أصيل أعتبره أحد ظرفاء عصرنا. وفى اعتقادى أن أحد أسباب خمول الفيلم الأسرى المصرى سنوات هو غياب محمود أبوزيد وأمثاله، فقد انسحب فجأة هو ومجموعة أخرى من كتاب الدراما المهمومة بالأسرة المصرية مثل فايز غالى، وفى رأيى أن التركيز والتكثيف على النموذج الاجتماعى وإحياء فكرة التأصيل الأسرى هى النموذج الأكثر إلحاحًا فى هذا الوقت من ذى قبل.

أما نجمة الفيلم غادة عبدالرازق فقد وصلت فى هذا الفيلم إلى القمة فى الأداء والتمكن من الحبكة الدرامية، أستطيع أن أقول إنها اكتملت واستوت على عرش الدراما، شامخة متسيدة، بل أعطتنا الإحساس المؤكد أنها تمتلك إمكانيات كامنة لم تستخرج منها حتى الآن، ففى كل عمل نحس أن سيلا من الإلهام ينساب، فنراها فى هذا الفيلم خفيفة الظل - تلقائية - استعراضية مبهرة - تمزج بين خبرتها وموهبتها فى احتراف، وقد بدت فى هذا الفيلم شديدة الجرأة نحو تقديم نماذج جديدة، فهى حريصة على التنوع فى الأدوار.. هذا الحرص هو الذى أعاد لها الإبهار الفنى وإن كان هو ذاته الذى جلب وراءها جدلا.. ففى كل عمل تقدمه تثار الانتقادات، فهى الوحيدة على الساحة التى تجرب فى فنها وتنتقى وهذه سمة الكبار، وغادة عبدالرازق ذكية واعية لما تفعل. لأن الملاحظ أيضا أنه بعد كل زوبعة نقدية حول أعمالها.. تهدأ الأقلام وتبدأ فى مناقشة ما تقدمه بهدوء، فترى أن ما قدمته كان شديد الخصوصية والعمق. فيلم «بون سواريه» يقدم حكاية ثلاث بنات يعشن مع والدهن ثم يرث إرثًا كبيرا يسبب لهن المشاكل، وهو هذه التيمة التى تتعاظم معها فكرة أن المال الحرام لا يدوم وأن رفض الحرام هو بداية المسلك الصحيح الحقيقى نحو حياة آمنة مستقرة، وهو مغزى مهم.. نحتاجه لنرسخ معه كثيرا من المفاهيم الحياتية التى قد تغيب عن شبابنا وبناتنا.

حسن حسنى فى هذا الفيلم وصل إلى حالة من الارتقاء فى الأداء وهو فنان بارع فى انفعالاته، كوميديان رائد، مشخصاتى على درجة من الأستاذية لا يباريه أحد.

النجمة مى كساب مولد موهبة حقيقية بارعة. هذا الفيلم هو إعادة اكتشاف وتقديم فى شكل إنسانى شديد التميز، وصل أداؤها إلى درجة من الحبكة الدرامية الناضجة.

وكانت نهلة زكى مقنعة وواعدة فى أول أعمالها.. وإذا كانت هذه هى بداياتها فإننا أمام نجمة يجب أن نركز على موهبتها ونقول إننا أمام موهبة تستحق الاهتمام.

المنتج محمد السبكى يواصل تألقه وريادته وثقته فى تقديم أعمال فنية تجمع بين المغزى الإنسانى الاجتماعى وبين البهجة، فهذا الفيلم ينتهى وأنت تشتاق أن تراه مرة أخرى، وهو منتج محترف.. وإن كان لى عتاب عليه، فإذا كان قد وصل إلى هذا الارتقاء فلماذا بعض الهنات الفنية أو السماح بالإفيهات غير اللائقة؟!

المخرج أحمد عواض فى هذا العمل يصحبنا إلى واحة من الإبداع الجميل.. إمكانياته الفنية ضخمة ويعرف كيف يتناول كل صغيرة وكبيرة بدقة واحتراف، ويقدم نجومه فى أفضل حالاتهم.. ولا تقتصر مهارة أحمد عواض على خلق مشاهد بارعة، ولكنه يخلق بنفس هذه المهارة مضمونا يمتزج بفكر، وهو الذى يبقى عند الجمهور. لقد استطاع عواض أن يبهر المشاهد من خلال قدرته على خلق الإثارة والسرعة فى المشاهد وبهذا أقول لأحمد عواض إن أفلامه تحتل جماهيرية واسعة وسط جماهير مصر والعالم العربى وكان التصوير مدهشا محولا الإضاءة إلى عنصر خلاق من عناصر بناء الفيلم دراميا وجماليا، بحيث تحقق بالتصوير والإخراج معا جو تراجيدى شديد الكثافة.

وإذا كان هذا الفيلم هو ختام أفلام عام 2010 فإنه يؤكد لنا أنه عام ناضج دراميا وسينمائيا وأعماله كانت مثيرة للجدل والشهوة لتناول قضايا مهمة فى الساحة الفنية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة