تأتى الألسنة على ذكر كلمة مخابرات من هنا، ويأتى معها سيل من الخيال الممزوج بالحكايات غير المكتملة عن العمل فى الظلام والتنكر والتخفى والقوة.. والخوف!
نعم.. الخوف من أولئك غير المرئيين، وتلك الأجهزة الاستخباراتية التى تملك القوة وتعرف دبة النملة وتتحرك فى الخفاء، وتعمل وفق نظم لا تحترم سوى قوانين عالمها السرى.
إنه نوع من الخوف نابع من قدرة تلك الأجهزة على التجسس وفضح الأسرار، ومن غموض العالم المخابراتى وغرفه المظلمة وحلوله القائمة على مبدأ التصفية ونهاياته التى تصل بالناس غالبا إلى حبل المشنقة أو قطعة أرض مهجورة تستقبل الجثث التائهة بعد أن يتم تدبيسها فى ورقة تحمل اتهاما بالخيانة.
هو الخوف ولا شىء غيره، قد تقرؤه على وجوه الناس حينما تفاجئهم بذكر كلمة مخابرات، بعض الدول فقط لا يرتجف أهلها حينما تأتى سيرة الأجهزة الاستخباراتية، بعض الدول التى حصنت نفسها بالقوانين مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وعدد من الدول المتقدمة لا يخشى أهلها من المخابرات، ولكنهم كثيرا ما يسخرون منها ومن عملياتها الفاشلة، وبعض الدول الأخرى التى لا تحصنها القوانين أو الحريات لا يرتجف أهلها حينما تأتى سيرة أجهزة المخابرات، بل تدمع عيونهم وتباغتهم تترات الموسيقى التصويرية لمسلسل رأفت الهجان، وترتفع مؤشرات الانتماء، وتتداعى أمام عيونهم ذكريات البطولات المختلفة التى تظهر مع مرور الزمن لرجال لا يعرفهم أحد.
فى مصر يحدث ذلك، تسقط فوق قلوبنا وعقولنا كتل الفخر والاعتزاز والإحساس بالنصر حينما يأتى أحدهم على سيرة جهاز المخابرات المصرى أو أحد رجاله، فى مصر لا نرتجف ولا نرتعش ولا نخاف من السلاح الوحيد الذى يتفنن فى إذلال إسرائيل، وتحطيم أسطورة الموساد، ذلك الجهاز الذى تروج له إسرائيل داخل عقولنا على أنه الأبرع والأخطر فى العالم، هنا فى مصر لكلمة المخابرات طعم مختلف ممزوج بنصر أكتوبر، وعبقرية العمليات الذكية والمستحيلة التى قام بها جهاز وليد بعد ثورة يوليو، نجح وأبهر الجميع فى الوقت الذى توقع له العالم الفشل.
فى هذا الوطن نعتز بهذا الجهاز المخابراتى الذى اعتاد أن يهدينا فوزا ونصرا ومفاجأة تخرج بنا من عنق زجاجة الإحباط كلما اشتدت «زنقتها» علينا، وهل هناك أفضل من أن نختتم العام 2010 الذى غمرنا بانتخاباته المزورة وقضايا فساده بنصر واضح لجهاز المخابرات المصرية على الموساد الإسرائيلى بعد سقوط شبكة التجسس الأخيرة؟! هل هناك نهاية للعام 2010 أفضل من أن تفتح صحف العالم فتجدها تتحدث عن يقظة وجهد جهاز المخابرات المصرى وتسخر من الموساد الذى يواصل سقوطه وعملياته الفاشلة فى القاهرة ودبى وغيرهما من عواصم العالم؟! هل هناك ختام للعام 2010 أفضل من تتابع نواح الصحف العبرية وثورتها على جهاز الموساد بسبب عملياته التى تجلب الخزى لتل أبيب وعملائه الذين يتساقطون كما العصافير فى يد المخابرات المصرية؟!
اذهب إلى صفحات المنتديات والمواقع الإلكترونية وموقع الفيس بوك الذى أصبح «مصطبة» المصريين للفضفضة والكلام، وستعرف أن قضية التجسس الأخيرة ونجاح المخابرات المصرية فى التعامل معها أشعل من جديد حماس هؤلاء الذين أحبطتهم الانتخابات المزورة وجبروت الحزب الحاكم، ستشاهد العديد من التعليقات والسطور التى تتغزل فى المخابرات وفى مصر، والعديد من السطور التى تستعيد روح الانتماء والعديد من الكلمات التى تنقل ما تنشره الصحافة الأجنبية عن المخابرات المصرية بفخر، ستكتشف أن ما فلعته المخابرات المصرية اعتبره هؤلاء الشباب الأمر الوحيد المفرح فى عام عكرته انتخابات مزورة وإصرار على تكميم أفواه الحرية وسد كل الأبواب أمام التغيير.
راجع أوراق قضية التجسس ومانشر عنها وستعرف أن ماتقوله صحف الغرب عن جهاز المخابرات لم يأت من فراغ، ستجد نفسك أمام قضية كاملة بلا ثغرة، وأمام جهاز لم تصبه تكتيكات الموساد الجديدة بالضعف أو الوهن، ستجد نفسك أمام جهاز مخابراتى أغلق على الموساد تلك البلدان نيبال وتايلاند، وغيرها من البلاد التى تخيل أنها أرض جديدة وبعيدة عن أعين المخابرات المصرية، الخائن المتهم بالتجسس نفسه أصيب بالصدمة من كم المعلومات والصور التى جمعها رجال المخابرات المصرية عن قصته وطريقة تجنيده، وهو الأمر الذى اعتبرته الصحف العبرية انتصارا ساحقا على الموساد، خصوصا بعدما كشفت تحقيقات نيابة أمن الدولة فى قضية التجسس هذه والمتهم فيها مصرى وضابطان بجهاز الموساد الإسرائيلى بالتجسس، أن جهاز المخابرات المصرية راقب تحركات ضباط الموساد والتقط لهم عدة صور خلال تنقلاتهم فى دول جنوب شرق آسيا، ورصد جميع الأماكن التى تنقل فيها المتهم، والشقق السرية التى خصصها الموساد للقاء به فى دول مكاو ونيبال ولاوس وكمبوديا، وقدمت المخابرات عناوين الأماكن والشقق فى النيابة وكذلك المكاتب التابعة للسفارات الإسرائيلية فى الهند وتايلاند.
قضية مكتملة الأركان وشاملة التفاصيل وواضحة المعالم وليست مجرد صدفة أو اشتباه كما يحدث فى العديد من قضايا التجسس، هذا هو ما قدمته المخابرات المصرية واعتبرته الصحف العالمية تأكيدا إضافيا على أن هذا الجهاز الاستخباراتى يستحق أن يكون فى قائمة الكبار، ولم لا وهو لم يسقط فى أفخاخ الخطأ التى شوهت سمعة أجهزة استخباراتية كبيرة مثل «السى آى إيه» ومعلوماته المضللة عن أسلحة الدمار الشامل وفشله فى متابعة بن لادن وتحديد موقعه، ومثل جهاز «الكى جى بى» الروسى الذى سقطت شبكة تجسسه فى الولايات المتحدة منذ شهور، ومثل الموساد الذى انكشف ضباطه فى دبى أثناء عملية اغتيال المبحوح.
لك الحق أن تفخر إذن بجهاز المخابرات المصرى ورجاله وعملياتهم النظيفة، لك الحق فى أن تفخر بهؤلاء الذين يعملون فى صمت وأرواحهم فوق كفوفهم دون انتظار أى مقابل فضائى أو إعلامى فى بلد اعتدنا ألا يعمل كبار مسؤوليه أو حتى صغارهم إلا أمام كاميرات الفضائيات وعدسات المصورين.
ذلك النصر الذى اختتمت به المخابرات المصرية عام 2010 وأدخل الفرحة إلى قلوب المصريين الذين اعتبروا أن انتصارات جهاز المخابرات هى سلاحهم الوحيد الذى يشفى غليلهم فى أفعال تل أبيب، ويرد كرامتهم التى تذوب داخل أجسامهم وهم يشاهدون ما يحدث فى غزة ولا يستطيعون الرد، تلك المعركة الاستخبارتية الكاملة التى قام بها رجال المخابرات المصرية فى القضية الأخيرة لم تكن أبدا وليدة صدفة ولا بالأمر الجديد على جهاز اعتاد أن يصنع ذلك، وينجح فيه منذ ولادته التى جاءت قليلة الإمكانيات فقيرة الموارد، ولكنها مملوءة بحماس الشخصية المصرية وغيرتها على الوطن وذكائها وقوتها التى تظهر وقت الشدائد كما نقول دائما، قصة تلك الملحمة بدأت بعد ثورة يوليو مباشرة حينما اكتشتف القيادة أن مصر لا تملك سوى جهاز المخابرات العسكرية فى عالم يعيش على أمواج من ألاعيب الجاسوسية ومعارك المخابرات. أدركت القيادة وقتها ذلك وألقى جمال عبدالناصر بهذا العبء على عاتق زكريا محيى الدين، ومعه عشرة من الضباط تم اختيارهم بعناية شديدة، وبدأ عملية إنشاء الجهاز من الصفر.. أو من تحت الصفر لمجموعة لم تكن تملك من الإمكانيات والخبرة فى هذا المجال شيئا، ولكنها كانت تملك الكثير من الحماس الوطنى والإخلاص، وباعتراف العالم تمكنوا خلال سنوات قليلة من إثبات أنهم بالفعل رجال مخابرات من طراز رفيع. يعملون فى صمت يثير الدهشة، محققين نجاحات مفاجئة تبهر الجميع لدرجة أنها دفعت مؤرخ المخابرات العالمى «راكواف كاروز» فى كتابه الشهير «المخابرات العربية» للتأكيد على أن براعة زكريا محيى الدين ورجال المخابرات المصرية فى بداية عهدها فى الخمسينيات أدت إلى إحباط النشاطات السرية البريطانية فى مصر، وتمكنوا ببراعة من كشف العديد من الجواسيس وشبكات التجسس التى كانت تحاول العبث داخل مصر.
وبالنسبة للمعركة مع تل أبيب قام الجهاز الذى حمل شهادة ميلاد تاريخها 26 يونيو وفقا للقانون رقم 323 لسنة 55 والصادر بعملية جريئة لا تتناسب أبدا مع سنواته الأولى حينما زرع أول عميل فى إسرائيل، وكان عبارة عن ضابط إسرائيلى غاضب، ثم أتبع تلك العملية بالعملية التى أدهشت العالم وغيرت مفاهيم لعبة التجسس، وهى عملية رفعت الجمال المعروف إعلاميا برأفت الهجان، والتى تمت فى عهد رئاسة صلاح نصر الذى تولى قيادة جهاز المخابرات بعد زكريا محيى الدين عام 1975، ونجح رغم كل ما قيل عنه، ورغم كل التجاوزات التى تمت فى عهده فى إعادة ترتيب الجهاز ومده بالقوة اللازمة، ثم جاء أمين هويدى لينقل جهاز المخابرات لمرحلة أكثر احترافية، ومع كل رئيس جديد تأتى مرحلة جديدة فى عمر الجهاز الذى يتعامل معه المصريون باعتباره حصن الأمان من العيون الإسرائيلية المتربصة دائما، والتى حاولت أن تعوّض فشلها أمام رجال المخابرات المصريين فلم تجد سوى الادعاءات الكاذبة والتضليل التى يطلقها الموساد للتغطية على فشله المتتالى فى السنوات الأخيرة، بداية من عجزه عن الحصول على معلومات تؤدى للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين فى لبنان وغزة، أو معرفة مصيرهم أو تقدير حجم قوة حزب الله وحماس. لم يجد الموساد شيئا يدافع به عن نفسه أمام الصحافة العبرية التى تتهمه وصحافة العالم التى تسخر من ضعفه حال مقارنته مع المخابرات المصرية سوى إثارة غبار قضايا قديمة مثل أشرف مروان ومحاولة إيهام الناس أنه كان عميلا للموساد، أو الحديث عن قتل عبدالناصر بالسم وزرع جواسيس فى عهده، وغيرها من القصص التى يثبت يوميا من داخل إسرائيل نفسها أنها مفبركة، وهدفها التغطية على فشل الموساد.
الفخر وحده هو طريقك وأنت تتحدث عن المخابرات المصرية ورجالها وملفاتها التى تكشف الكثير من البطولات كلما ظهرت إلى النور، فمع كل ملف مخابراتى يتم تحويله إلى عمل درامى أو سينمائى أو حتى روائى يكتشف أهل المحروسة أن البلد الذى يتخيل البعض من شدة القهر والقمع فيه أنه عقم عن إنجاب الرجال يلد الكثير من الشجعان والأبطال الذين يملأون قوائم طويلة، وكل منهم ينتظر دوره فى ملفات المخابرات المصرية لكى يخرج إلى النور بقصة بطولته وتضحياته وتفوقه على رجال أقوى مخابرات العالم. الفخر وحده هو طريقك وأنت تسير باتجاه جهاز المخابرات المصرى الذى لم تذكره وسيلة إعلام عالمية بالفشل أو الضعف طوال السنوات الطويلة الماضية، وفى الوقت الذى نسمع فيه قصص فشل ساذجة وغير معتادة لرجال مخابرات يتبعون أجهزة لدول كبرى مثل أمريكا وإسرائيل وبريطانيا لا تسمع عن جهاز المخابرات المصرى إلى المزيد من النجاحات فى قهر الموساد الإسرائيلى وإذلاله، وفى الوقت الذى يتعرض فيه رؤساء تلك الأجهزة الاستخبارتية فى العالم كله للتشكيك والاتهام بعدم وضوح الرؤية، يحظى السيد عمر سليمان مدير جهاز المخابرات المصرية باحترام وتقدير الأوساط الرسمية والإعلامية فى العالم بل إن تل أبيب تراه دائما الرجل القوى الذى هزم موسادهم، وأذل جهاز مخابراتهم. ولكى لا يكون الكلام فى المطلق تعال نذهب إلى أوراق مذكرات جورج تينت، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الأمريكية، الذى قال فيها عن السيد عمر سليمان ما هو آت: (هو كلواء ورئيس للاستخبارات، طويل القامة ذو مظهر ملكى، وشخص قوى جداً، ويتحدّث بتمهّل شديد. كما أنّه شديد وجذّاب. وهو صريح تماماً فى عالم مملوء بالظلال. كما أنّ عمر عمل بعيداً من الأضواء فى محاولة لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وينطبق ذلك أيضاً حتى عندما كانت الولايات المتحدة لا تزال منخرطة فى العملية. وعندما لم يكن أحد يحاول الاجتماع بحماس، ولا يتحدّث أحد إلى الفلسطينيين. وعندما لم يكن أحد يتحدّث إلى الإسرائيليين، وعندما لم يكن هناك من يتقدّم بأفكار مبتكرة لمحاولة جعل الأطراف تتحدّث بعضها إلى بعض، كان عمر على الأرض يعرّض نفسه للمخاطر).
كلام كثير آخر موجود فى كتب ومذكرات كبار رجال السياسة والمخابرات فى الدول المختلفة عن رجال المخابرات المصرية والسيد عمر سليمان، يمكنك أن تذهب وتقرأه لتشعر بالسعادة والفخر، وتتأكد أننا لسنا أمام مجرد جهاز استخباراتى مهمته اصطياد الجواسيس وزرع العملاء، بل نحن أمام ركن قوى من أركان تلك الدولة، دليل على قوتها وإرادة أولادها، وعشقهم لهذا الوطن، جهاز كبير للحماية ورش كل الحشرات التى تحاول تعكير أجواء هذا الوطن.. والأهم أنه الجهاز الوحيد الذى يرش قلوب أبناء هذا الوطن بالفخر وبذور الانتماء.
على عكس شعوب العالم لا نرتعش حينما نسمع اسمها.. بل نشعر بالفخر
من الشعب المصرى إلى المخابرات المصرية: نشكركم على حسن أدائكم وانتصاراتكم.. وإلى لقاء آخر نفخر فيه بهزيمتكم للموساد!
الخميس، 30 ديسمبر 2010 11:29 م
محمد صابر