فى كل دول العالم الديمقراطية لا تعلن الأحزاب بعد مشاركتها فى الانتخابات أن ما فات مات، وإنما تقوم بتقييم شامل لما حدث لها، وفى أحوال الخسارة تحدث استقالات لرؤساء الأحزاب لتصعد قيادات جديدة، تضع على أجندتها كيفية تطوير أحزابها، من خلال معرفة أساب خسارتها، يحدث هذا فى الأحزاب الأوروبية التى تجدد شبابها بضخ دماء جديدة فى قيادتها وبرامجها، أما فى مصر فلا يحدث شيئاً من هذا أبداً.
ومنذ أن عادت الحياة الحزبية فى مصر عام 1976، تدخل أحزاب المعارضة فى الانتخابات، وحصادها يكون مراً، وبالعودة إلى النتائج التى حققتها تلك الأحزاب، سنجد أنها لم تبلغ رقماً قياسياً إلا فى انتخابات عام 1984، والتى جرت بالقائمة النسبية، وكان شرطها حصول أى حزب على نسبة 8 % لدخول البرلمان، وبهذا الشرط حصل حزب الوفد الذى تحالف مع الإخوان المسلمين على 57 مقعداً، كان نصيب الإخوان منها 6 مقاعد. وفى عام 1987، والتى جرت الانتخابات فيه بالقائمة النسبية أيضا بالإضافة إلى المستقلين، حصل تحالف حزب العمل وحزب الأحرار مع الإخوان على 60 مقعداً، وحصل حزب الوفد على 35 مقعداً.
فى عام 1990 جرت الانتخابات بالنظام الفردى، وقاطعت أحزاب المعارضة الانتخابات باستثناء حزب التجمع الذى حصل على 5 مقاعد، كان أهمها عودة زعيمه خالد محيى الدين إلى البرلمان، بعد إسقاطه حكومياً فى كل الانتخابات التى جرت منذ برلمان عام 1976 الذى كان عضواً فيه، أما فى انتخابات عام 1995، فحصل فيها حزب الوفد على ستة مقاعد، والتجمع 5 مقاعد، والناصرى مقعد واحد، ومثله لحزب العمل، وآخر لحزب الأحرار، وفى انتخابات 2000 حصل حزب الوفد على 7 مقاعد، والتجمع على 6، والناصرى على اثنين والأحرار على مقعد واحد، أما فى انتخابات 2005، فحصل الوفد على 6 مقاعد، والتجمع على 3 مقاعد، وفى الانتخابات لتى انتهت أمس، الأحد، حصل التجمع على ستة مقاعد، أما الوفد فقرر الانسحاب من الانتخابات، بعد أن حصل على مقعدين فى الجولة الأولى، وقرر عدم خوض جولة الإعادة.
الرصد السابق يؤكد أن أحزاب المعارضة لم تستطع فى أى انتخابات كسر الطوق، بنتيجة تحرج الحزب الوطنى، بل إنها من دورة برلمانية إلى أخرى تواصل عملية نزف منظم فيقل عدد مقاعدها فى كل دورة عن الدورة التى تسبقها، ورغم التسليم بمسؤلية النظام السياسى كله عن ضعف الحياة السياسية فى مصر، وإحكامه عليها بقبضة حديدية، مما أدى إلى تدميرها تماما، إلا أنه لم نرَ حزباً واحداً منها يتصدى لتقييم موضوعى يكشف عورات الحزب الداخلية التى تفقده بريقه الجماهيرى، وبالتالى تزيد من خسائره فى كل انتخابات، فعلها فقط حزب التجمع فى الثمانينات من القرن الماضى بعد خسارته فى انتخابات 1984، وانتخابات 1987، وقت أن كان الحزب مازال جذرياً فى معارضته بفضل الرموز اليسارية الكبيرة، والنظيفة فى مسلكها السياسى التى كانت تقوده، لكن المثير أن ما انتهى إليه الحزب كانت حصيلته التخلى عن خطه الجذرى فى المعارضة، وحصاد بائس فى أى انتخابات، لم نشهد اعترافاً بالفشل فى التجمع، وبالتالى استقالة المسئولين عنه، كما لم نشهده فى أحزب أخرى مثل الوفد والناصرى، وإذا كان من الصحيح أن تزويراً تم فى الانتخابات التى انتهت أمس ضد هذه الأحزاب، ففى انتخابات 2000 و2005 لم يكن الأمر كذلك بفضل وجود الإشراف القضائى، ومع ذلك لم يتحسن الوضع فى هذه الأحزاب، والخلاصة من كل ذلك أنها تدفع الثمن لعدم محاسبة نفسها، ولعدم تحلى قيادتها بالشجاعة وتقديم استقالتها لفشلها، ولأنها لم تفعل ذلك استطاع الحزب الوطنى أن يلتهمها ليس بالتزوير فقط، وإنما بخيبتها أيضا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة