بعد مقدمات وأحداث عديدة لم نشأ أن نتصدي لها أو حتى نلتفت إليها، أصبحت البلطجة هي السمة البارزة في العقد الاجتماعي الجديد الذي تواطأنا جميعا، ولا أبرئ أحدا، علي اعتماده دستورا لحياتنا.
كلامي هذا لا ينسحب علي المظاهر الفجة في انتخابات مجلس الشعب والتي ربما جرحت عيون بعض الأبرياء وضمائرهم، مشاهد البلطجية وهم يحملون السنج والسيوف والشوم وأحيانا الأسلحة النارية ،يروعون الناخبين لمصلحة هذا المرشح أو ذالك، الناخبون وهم يرفعون أصابعهم الملونة بالحبر الفسفوري الأحمر ويبتسمون في بؤس للكاميرا التى صورتهم وهم يقبضون ثمن تلويث أصابعهم، المرشحون وهم يوزعون النقود لشراء الأصوات الحرام، اجتراء البعض علي اقتحام اللجان الانتخابية وإحراقها وتحطيم صناديق الاقتراع، سيدات ورجال وشباب وأطفال يعترفون باشتراكهم في عمليات البلطجية ويعرضون خدماتهم في مناسبات أخري مقبلة.
هذه المشاهد الفجة وغيرها كثير، ليست في القلب مما أقصده بكلماتي اليوم ،وإن كانت هي قمة جبل الجليد الذي ارتضينا أن تصطدم مركبنا به لنتحطم ،وأن نظل في المياه الباردة السوداء نصارع الغرق القادم لا محالة إذا لم نجد لأنفسنا حلولا منجية.
أقول إن رأس البلطجية موجود ومرفوع بإباء زائف ،لدي الأجهزة الحكومية التي تضرب بأحكام القضاء عرض الحائط وترفض تنفيذها، وقد ترتب علي هذا "الخطأ العام" الفادح ،أن تم استبدال سياسة انتهاك القانون والاستهانة بمواده وما يترتب علي تطبيقه من أحكام قضائية ملزمة،بسيادة القانون ، وشاعت روح الاستقواء في المجتمع وظهر لكل ثري حرب أو سلم أو هزيمة اجتماعية ،سندٌ ممن لا يطبقون أحكام القضاء، كما ظهر لكل حرفوش مجرم سندٌ في هذا الجهاز التنفيذي أو ذالك يمنع عنه سيف القانون أو عدالة القضاء عنوان الحقيقة
تدريجيا، وبعد كثير من المعارك اعتاد الناس علي عدم تنفيذ أحكام القضاء وعلي الاجتراء علي القانون، بحيث أصبح صاحب السلطة هو نفسه القانون، وظلت أحكام القضاء عنوان الحقيقة نعم ، لكن تطبيقها لم يعد من البديهات مع دخول ألعاب السياسة والأهواء الشخصية والمصالح الصغيرة والكبيرة لتفصل بين الحكم القضائى و ضمان آليات تنفيذه.
في مجتمع يتحكم فيه البلطجية ويغيب فيه القانون، ويقبل فيه الناس مبادئ البلطجة، كان لابد وأن ينتشر الفساد وأن تتراجع فرص النمو وأن يشحب الإبداع في جميع المجالات، وأن يفقد الجميع الثقة في المستقبل لأنهم لا يعرفون لماذا يحدث ما يحدث، ولا يعرفون ماذا يخبئ المستقبل لنا، بينما أمم أخري تصنع مستقبلها علي عيونها وبأيديها.
السؤال الآن، هل توقظنا المشاهد الفجة لبلطجية الانتخابات من نومنا ومن تواطئنا جميعا علي القبول بأهوال غياب سيادة القانون؟
أعتقد أن هذا هو سؤال الإنقاذ وسؤال المستقبل ،إذا أردنا لأنفسنا مستقبلا علي هذه الأرض.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة