أخطر ما فى أزمة القاضى وليد الشافعى عضو اللجنة المشرفة على الانتخابات فى دائرة البدرشين هو حجم الجرأة المفرطة من رئيس مباحث البدرشين والدكتورة مؤمنة كامل مرشحة الحزب الوطنى الديمقراطى فى التعامل والتطاول عليه وهو ما يؤشر لسلوك عام تبلورت ملامحه فى السنوات الأخيرة فى أداء السلطة وتعاملها مع القضاة.
فما معنى أن يتعامل رئيس المباحث بسلوك متعجرف مع القاضى ويقول له "اركن على جنب" ثم يحتجزه فى غرفة بإحدى اللجان الانتخابية فى البدرشين، وما مغزى أن تتطاول بالألفاظ الدكتورة مؤمنة على القاضى فى حوارها مع صحيفة "الشروق".
لن نقبل أن يقلل أحد أو يهون من شأن ما حدث ويعتبره "سلوك فردى" لأن سلوك الضابط وتطاول الدكتورة على القاضى الشافعى تكرر بدرجات متفاوتة مع قضاة آخرين من بين 1494 قاضيا أشرفوا على اللجان الانتخابية بلغت فى بعض الأحيان تهديد بعضهم فى أمنه الشخصى.
ليس سلوكا فرديا لأن العلاقة المتوترة فى السنوات الأخيرة بين القضاة (السلطة القضائية) والحكومة (السلطة التنفيذية) والتى وصلت ذروتها فى أزمة عام 2006 هى التى أفرزت هذا السلوك تجاه قضاه مصر وتجاه هيبة القضاء المصرى ومحاولة المساس به والإساءة إليه وهو ما منح بعض أفراد فى السلطة التنفيذية الحق فى تجاوز كل حدود التعامل مع ركن أساسى وحيوى من أركان الدولة الحديثة وهو القضاء رمز العدالة والحصن المنيع الذى يقف صلبا وقويا من أجل حماية الحقوق وإقرار العدل بين أفراد المجتمع فى الوطن الواحد.
المساس بهيبة القضاء فى مصر يعنى أن بناء الدولة يتعرض للخطر والتآكل، والدول القوية هى التى تحمى قضاءها وتصونه وتعمل على تقويته واستقلاله لا أن تتصادم معه وتنال منه ومن سمعة الشرفاء من أفراده.
ونتذكر هنا المقولة الشهيرة للسير ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية والطائرات الألمانية تدك لندن "من الأفضل أن تخسر بريطانيا الحرب على أن يقال إنها لا تنفذ أحكام القضاء" حيث كان هناك مطار حربى بجوار إحدى المحاكم بـ"بريطانيا"، ونظرًا لكثرة هبوط وتحليق الطائرات أدى الصوت إلى التشويش على أعمال المحكمة، مما دفع القاضى إلى إصدار حكم بنقل المطار إلى مكان آخر "برغم ظروف الحرب الطاحنة"، فرفض قائد المطار تنفيذ الحكم واشتكى إلى "تشرشل" رئيس الوزراء فرد عليه بعبارته الشهيرة، هكذا كانت نظرة رجل الدولة إلى قضائه حتى فى أوقات الحرب، وكسب تشرشل الحرب وكسب احترام وثقة ومحبة الناس، لأن الدول تبنى بأمثال رجال من نوعية تشرشل الذى آمن بأن القضاء المستقل يعكس مدى نزاهة الحكم ونقائه ويعكس أيضا الثقة فى وطن قوى تحكمه لغة القوانين وليست لغة البلطجة والتزوير والتزييف والسطو السياسى.