منتصر الزيات

سكت البنا دهراً ثم نطق بهرطقة لم نفهم معانيها

الأربعاء، 08 ديسمبر 2010 03:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أظن وليس كل الظن إثما، أننا لم نكن نسمع شيئا مذكورا عن المعمر «جمال البنا» حتى عام 2000 على أكثر تقدير، ربما بعدها بقليل أيضا، لكن فلنقف على رأس الألفية لنرصد فلن نجد بيقين ذكرا يُفيد فى مضمار البحث، حتى وجد أهل التغريب والعلمنة ضالتهم فى الرجل فوسعوا له فى المجالس، واستكتبوه فى صحفهم حتى اعتلى صفحات الرأى التى غاب عنها أهل العلم والفكر الثقات.

ولقد قرأت فى «اليوم السابع» العدد الماضى تحقيقا رائعا كتبته «سارة حجاج» عن الزهايمر ونقلت فيه عن الدكتور حسام إبراهيم أستاذ جراحة المخ والأعصاب كلاما علميا مفيدا عن الشيخوخة التى تحدث نتيجة التقدم فى العمر وتؤدى إلى فقدان الوظائف العليا للمخ، التى من أهمها التذكر وفك الرموز والكتابة واللغة، حيث يفقد المريض القدرة على استدعاء المعلومات من الذاكرة، وعن معدلات انتشار المرض فتصل لحوالى 40 % للأشخاص فوق السبعين، وتصل إلى نسبة تتراوح من 60 % إلى 70 % للأشخاص فوق الثمانين، وسبحان الله العظيم الذى أبان وعرّف فى قوله تعالى «ومن نعمره ننكسه فى الخلق أفلا يعقلون»، وقوله تعالى «ومنكم من يرد إلى أرذل العمر» أى أخسه وأحقره، وهو وقت الهرم الذى تنقص فيه القوى، وتفسد الحواس. وقال العلماء فى قوله (لكى لا يعلم من بعد علم شيئا) لكى لا يعلم شيئا من بعد ما كان يعلمه من العلوم، مبالغة فى انتقاص علمه وانتكاس حاله، وليس المراد نفى العلم بالكلية، بل عبارة عن قلة العلم، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم كما أخرجه البخارى وابن مردويه عن أنس «أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات».

تذكرت هذه المعانى وأنا أتابع رد المُعمر جمال البنا العدد الماضى، ولم يشأ أن يتابع قضايا فقهية وعقائدية كثيرة أثرناها على مدى حلقتين، وكنت أتصور أننا سندخل فى مبارزة فكرية وفقهية راقية، لكنه لم يشأ أن يعلق إلا ليذكرنا بنعمة الشباب التى أسبغها علينا ربنا سبحانه، بل ذكرنا بطفولتنا حيث كان هو يهرف بما يكتب تضليلا للناس، وفتنا للعامة فى دينهم، والحقيقة كنت قد اكتفيت بالحلقتين وعدلت عن مواصلة البحث والرصد لهذا الركام الزائف الُمتحلق حول الُمعمر البنا، وما يصنعه به طغاة التغريب والعلمنة، ويتصدرون به المشهد، لكنه سكت ثم نطق بهرطقة لم نفهم معانيها غير العلو والاستكبار والغرور، طبعا بفعل السدنة الذين ملأوا أذنه وقلبه بالسم الزعاف فى صورة الكلام المعسول.

المهم.. اكتفى البنا فى رده الهزيل بأن يوضح أنه لم يرفض السنة أبدا، وهو مثله فى هذا مثل آخرين يقولون بألسنتهم احتراما للإسلام ثم يواصلون سعيهم ودأبهم فى إفراغه من مضمونه، وإدخال الشبهات على قلوب العامة والبسطاء، تشكيكا لهم فى عقيدتهم ودينهم.

لقد نقلنا نصوصا كثيرة مما كتبه، تجاهلها واكتفى بقوله «لأنه إذا كان فاهما كلامى فإنه يغالط، وإذا لم يكن يفهم فلا فائدة»، يا سيدى العالم المُعمر، جهبذ زمانك، ها نحن نعيد على مسامعك كلامك الذى لم تزل تردده مُذ كنا أطفالا، فالبنا يرفض قواعد المحدثين فى الجرح والتعديل والتى وفقا لعلوم الحديث يثبت من خلالها الحديث، وعلى رأسها «عدالة الصحابة« ؛ فالرجل ينفى وجوب عدالتهم إلزاماً، كما استقر المنهج عند أهل السنة والجماعة، ويرى أنهم قد يكذبون فى الحديث، وإذا لم يكذبوا فهم ينسون، والنسيان أخو الكذب، وكثرة رواية الصحابى للحديث عنده تجرحه؛ إذ إن أفاضل الصحابة وكبارهم عنده أقلهم رواية للحديث، والعكس بالعكس! وإذا رفضنا قواعد الجرح والتعديل التى توافق عليها السلف والخلف، فإلى أى قواعد يجرنا البنا؟ إلى خزعبلاته هو التى ما أنزل الله بها من سلطان!!

وسأله من قبل الكاتب الفلسطينى المعروف خباب بن مروان الحمد نصا «ولم لا نقول (يا جمال) إنَّك لست معصوماً من الكذب والنفاق؟ خصوصاً أنَّنا لاحظنا على كتاباتك الهشاشة والضعف، بل التزوير وإخفاء الحقائق؟»، والذى تابع وأمَّا قوله: (إذ إن أفاضل الصحابة وكبارهم أقلهم رواية للحديث، والعكس بالعكس!) فإنَّ هذا لا يعنى أن يكون المكثر من الرواية كذاباً، فإنَّ الذين أكثروا من رواية الحديث كانوا معنيين بسماعها وإسماعها، وكثير منهم كان أكثر مخالطة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من غيرهم من الصحابة، وكثير منهم نال بركة دعاء النبى صلَّى الله عليه وسلَّم بالحفظ والفقه؛ فقد دعا عليه الصلاة والسلام لابن عبَّاس، بأن يفقهه الله فى الدين، ودعا لأبى هريرة بحفظ الحديث، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما يكتب أحاديث رسول الله ولا ينكر عليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فعله ذاك، وعائشة رضوان الله عنها زوج رسول الله؛ كانت تعلم عنه أموراً لم يعلمها الصحابة، وهكذا دواليك ممَّن أكثروا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد خالف البنا النصوص القرآنية قطعية الدلالة التى عزز فيها ربنا سبحانه صحابة رسول الله بقوله (رضى الله عنهم ورضوا عنه) فراح يشكك فيهم بين التكذيب والنسيان الذى عده من جنس التكذيب، واعتبر مجرد الإكثار من الرواية والنقل عن رسول الله تهمة!! إنه عقله هو المضطرب الذى يصطدم بالحديث وبالآية القرآنية، وليست الأحاديث هى التى تتصادم بالقرآن.
ويا ليته فيما ينعى على ما ضمه البخارى فى صحيحه من أحاديث اتبع منهج علماء الجرح والتعديل، فهو علم له أصوله، لكنه يُبعد بعقله ما يراه هو متصادما مع القرآن الكريم.

جمال البنا بعقله يريد من الأمة أن تضرب بكل حديث ليس له دليل فى كتاب الله عرض الحائط، وقد أخرج الإمام البخارى عن عبد الله بن مسعود قال:«لعن الله الواشمات والمتوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله« فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد يقال لها: أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغنى أنك لعنت كيت وكيت! فقال: وما لى لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هو فى كتاب الله؟ فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول، قال: لئن كنت قرأته لقد وجدته؛ أما قرأت: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}؟ قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه. أخرجه البخارى فى صحيحه برقم (4886).

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينبئ بأمثال البنا ومن لف لفه (ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه! ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله« سنن أبى داود(4604).









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة