نهاجم حسن شحاتة إن خسر مباراة، ونرفعه إلى السماء إن فاز، وبين الفوز والخسارة نتعامل معه بوصفه الرجل الذى لا يجب هزيمته أبدا، مع أنه بشر يخطئ ويصيب فى التخطيط، لكن لماذا أصبح هذا الرجل صانع البهجة للمصريين فى وقت عزت البهجة عليهم؟
من كرة القدم يأتى السر، لكنه السر الذى لا تكتمل وصفته إلا برجال مخلصين عنها، نرى فرقا عظيمة تمتلئ بالمواهب، لكنها لا تستطيع تحقيق بطولة واحدة، ونرى أسماء لامعة فى مجال التدريب لكن سجلها خالٍ من الإنجازات الكبرى، لكن حسن شحاتة استطاع أن يشق طريقه نحو المجد، رغم أن المناخ الذى يعمل فيه ليس مثاليا مائة فى المائة.
حسن شحاتة نموذج مشرق لكل الذين يتفانون فى العطاء، وينحتون فى الصخر، قد تقابلك مواهب فذة ومسؤلون مشرقون، لكن مرارة الشكوى تجدها فى حلوقهم من سوء الأوضاع والحروب الخلفية فيختارون الانسحاب، ومع كل التقدير لمثل هؤلاء يبقى حسن شحاتة نموذجا للذين يختارون فضيلة العمل رغم أى مساوئ.
لا ينكر أحد أن شحاتة كان على موعد مع كتيبة من المواهب الكروية لم تشهدها مصر من قبل، وربما يرى البعض أن هذا كان السبب الرئيسى فى مسلسل نجاحاته المتواصلة، لكن وكما قلنا من قبل ليس هذا كافيا.
صحيح أن المواهب الكروية هى المفتتح الأول لنجاح أى منتخب، لكنها بلا مدير فنى ناجح تبقى مثل العدم، والشاهد على ذلك يأتى من الفرق العالمية مثل هولندا التى لم تفلح فى مطلع تسعينات القرن الماضى فى فرض وجودها على كأس العالم رغم أن فريقها كان فيه من الأسماء ما يهز أى منافس مثل خوليت وباستن وريكاردو وكويمان وآخرين، وكان السبب هو عدم وجود مدير فنى يستطيع قيادة هذه الأسماء الثقيلة وهناك أمثلة أخرى، وفى المقابل لم تكن ألمانيا بنفس قوة المواهب الهولندية، لكن شخصية بكنباور الفريدة قادت ألمانيا للفوز بكأس العالم عام 1990.
الأمثلة السابقة تقودناإالى القول إن شحاتة استطاع التعامل مع كتيبة مواهبه بنهج بكنباور، مضافا إليها أبوة يحتاج لها اللاعب المصرى الذى تنطلق عزيمته بالوجدان والعقل فى آن واحد، ومن هذه الأبوة يبث شحاتة فيهم الروح التى تدفع لأى انتصار، ومن هذه الشفرة النفسية يجد اللاعب نفسه محاطا برعاية مديره الفنى ليس فى مجال الكرة وحسب، وإنما فى حياته خارج الملعب.
فى حسن شحاتة أيضا تلقائية القيادة وتلك مسألة تولد الاندهاش الدائم، وتفتح له قلوب المصرين البسطاء، يقول مثلا فى التعبير عن فرحته بإحراز هدف: "يا حبيبى يا رسول الله"، وقد يفسر البعض أن هذا نوع من الدروشة الدينية تأتى فى مجال غير مجالها، لكنها التلقائية الممزوجة بروحانية فى التعبير عن الفرح وفى أى شىء آخر.
أذكر مرة قابلت فيها حسن شحاتة مع الصديق الناقد الرياضى علاء إسماعيل، وكانت المقابلة فى مكتب جريدة البيان الإماراتية وكنت أعمل نائبا لنقيب الصحفيين وقتها ومدير المكتب الأستاذ جلال عارف، وجاء شحاتة لتهنئة عارف بفوزه بمقعد النقيب، وأهديت شحاتة فى هذه المقابلة كتابى: "أم كلثوم وحكام مصر"، فعلق على الكتاب: "الله على الست يا أستاذ سعيد أنا بحب الأصالة فى كل شىء"، وعدد أغنيات أم كلثوم التى يحبها، وأضاف أنه يحب أغنية أول همسة لفريد الأطرش، كانت كلماته تلقائية تسكن القلب من صدقها، والمؤكد أن هذه التلقائية واحدة من أسراره الفريدة فى القيادة التى صنعت انتصارات متتالية، ويبدو أنها لن تنتهى معه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة