يبدو أن الانهيار الاقتصادى الذى تعرضت له مدينة دبى، واكبه انهيار أمنى، حيث أثبتت عملية اغتيال محمود المبحوح أبرز قادة المقاومة الفلسطينية، بأحد فنادقها اختراق الموساد الإسرائيلى لأجهزتها الأمنية لأول مرة.. الطريقة التى تمت بها عملية الاغتيال تشير إلى أن أيادى"الموساد"الملوثة بالدماء وراء هذه العملية، خاصة أن المبحوح، كان على قوائم التصفية لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلى منذ 20 عاماً.
المعلومات حول تفاصيل هذا الحادث الإجرامى شحيحة للغاية، وحسب شرطة دبى، فإن القتلة، دخلوا المدينة بجوازات سفر أوروبية، ونزلوا فى نفس الفندق الذى اختاره "المبحوح"، وربما استأجروا غرفاً مجاورة لغرفته، راقبوه بدقة وقاموا بصعقه عن طريق جهاز كهربائى متطور، ثم قاموا بخنقه، ولم يغادروا المكان قبل أن يتأكدوا من أنه فارق الحياة.
اللافت أن الحادث يعد الأول من نوعه لـ"الموساد" فى "دبى" وربما فى دول الخليج عموماً، فقد كان نشاط عملائه قاصرا على العواصم العربية التى يقيم على أراضيها قيادات المنظمات الفلسطينية.. كما أن المثير أيضاً هو أن الهدف هذه المرة كان فى مهمة سرية بدبى، وكان يدرك أنه مستهدفاً، باعتباره مهندس العمليات النوعية للمقاومة، حيث دبَّر ونفذ أول عملية لأسر جنديين إسرائيليين سنة1989، رداً على اعتقال الاحتلال مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين.. بعدها شدد الاحتلال من حصاره على قطاع غزة بهدف اعتقاله لكنه نجح فى التخفى والتسلل إلى ليبيا، ومنها إلى سوريا التى واصل فيها مشواره مع مقاومة الاحتلال فى صمت وخفاء.
المتتبع لمسيرة المبحوح يكتشف أنه كان حريصاً على اتخاذ كافة الاحتياطات التى يُؤمن بها نفسه فلم يكن يستخدم هاتفه النقَّال إلا نادراً، ويشترى تذكرة سفره بنفسه فى ذات اليوم، وغالباً ما كان يتنكر ويموه فى سفره، ويسافر إلى غير الوجهة التى يقصدها، ومن هناك يغير خط سير رحلته، ويختار الفندق الذى سيقيم فيه بنفسه ولا يكرر الإقامة فيه، ولا يأكل شيئاً من الفندق، ويشترى طعامه من مطاعم عشوائية، ولا يتحرك بسيارته إلا بعد التأكد من أن علامات الأمان التى وضعها فيها كما هى لم يمسها أحد، ويقودها وعينه على السيارات من حوله.
عملية اغتيال المبحوح فى دبى تثير العديد من علامات الاستفهام حول مدى اختراق "الموساد" لحماس ولأكثر تنظيماتها المقاومة "القسام" كما أن نجاح العملية، وهروب الجناة، دون أثر يذكر يكشف عن مدى هشاشة الأجهزة الأمنية بها وإمكانية اختراقها بسهولة، ويثبت أيضاً أن "الموساد" لديه القدرة على الوصول إلى دول الخليج التى ظلت بعيدة عن حلبة الصراع بينه وبين قادة المقاومة الفلسطينية لسنوات طويلة.
حادث دبى، سينضم إلى قائمة عمليات التصفية التى نفذها "الموساد" بحق قيادات فلسطينية فى عواصم عربية عديدة كان آخرها فى دمشق عندما فجر عملاؤه سيارة القيادى البارز فى حزب الله "عماد مغنية" وسط دمشق فى مطلع 2008، وكذلك عملية اغتيال مهندس الانتفاضة "أبو جهاد "، فى بيته بتونس العاصمة أمام أنظار زوجته فى غرفة نومه عام 1988.
المرة الوحيدة التى فشل فيها الموساد، وخرج عملاؤه بفضيحة مدوية عندما حاولوا اغتيال خالد مشعل فى شوارع العاصمة الأردنية عمان سنة 1997 عن طريق عناصر دخلوا الأردن بجوازات سفر كندية مزورة.. العملاء راقبوا تحركات مشعل لعدة أيام.. وفى إشارة مرور بوسط عمان، ألقى أحدهم على وجهه سائل شفاف من سم «ليفوفنتانيل» القاتل عبر كاميرا وهمية.. هذا السم يؤدى إلى الموت البطىء خلال 48 ساعة.. حارث مشعل ارتاب فى المصور وطارده فى الشوارع وقبض عليه وسلمه للمخابرات الأردنية.. هنا تدخل الملك حسين الذى اعتبر العملية خيانة شخصية كبرى من جانب الإسرائيليين وتعامل معها بمنتهى الحزم، وعقد معهم صفقة، أفرجوا بموجبها عن الشيخ ياسين من السجن مدى الحياة، وتم تسليم الأردن العلاج المضاد، ونجا خالد مشعل من الموت بأعجوبة وأصبح زعيما لحماس.. فمتى يثأر قادة دبى من اختراق الموساد لبلادهم وتلويث سمعتهم الأمنية؟
* رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة