رغم مرور أكثر من أسبوع على الانتصار الكروى العظيم الذى حققه المنتخب القومى، وعودته من أنجولا متوجا بكأس الأمم الأفريقية، مازالت الاحتفالات تتواصل هنا وهناك سواء أكانت فى شكل مهرجانات، أو حفلات عامة أو استقبالات تنظمها دول شقيقة فى داخل مصر وخارجها.
بالفعل فوز المنتخب القومى كان حدثاً مهماً انتظرته مصر كثيراً للخروج من عنق النمطية الضيق، وتغيير ملامح الناس والأشياء.. لأول مرة على مدى سنوات عديدة ألاحظ أن كل من حولى إيجابيين، متفاعلين، متفائلين، ومنسجمين.. الكل يزين النصر وجوههم حتى الذين لا علاقة لهم بالرياضة من قريب أو من بعيد شاركوا بمشاعرهم الصادقة فى هذه المناسبة التى شملت الكبار والصغار، النساء والرجال، المسلمين والمسيحيين، السلفيين والعلمانيين، الرسميين والشعبين، لكن ربما الشىء الوحيد الذى كان غائبا عن الجميع طوال تلك الفترة، هو ضرورة إخضاع هذا الحدث للتحليل والدراسة لاستخلاص العبر والدروس للوصول إلى وسائل عملية تدفع المواطنين إلى المشاركة بجدية فاعلية فى الهموم الوطنية، وأن يتجاوبوا مع قضاياهم السياسية والمصيرية بنفس قدر حماسهم واهتمامهم بالقضايا الرياضية.
إن أهم إيجابيات هذا الحدث الرياضى الضخم أنه نجح فى توحيد صفوف الأمة المصرية بكل طوائفها فى لحظة تاريخية نادرة.. جسد ت عشق المصريين لتراب هذا البلد.. هذا التوحد حمل فى طياته رسالة هامة مفادها أن المصريين لو قرروا التغيير وأرادوا التعبير عن مشاعرهم بوضوح لن يعيقهم قانون الطوارئ، ولن يرهبهم جبروت أجهزة الأمن ولن يخيفهم وجود عسكرى بوليس خلف كل مواطن.
فقد تكررت التجمعات الشعبية الحاشدة فى اليوم التالى للفوز عندما اتجهت الآلاف صوب مطار القاهرة لاستقبال الأبطال فور وصولهم إلى أرض الوطن.. الاحتفال بالعائدين المنتصريين كان منضبطاً، منظماً، ولم يشهد أى محاولات "تخريب"، رغم أنه فى مثل هذه الظروف كل شىء وارد.
أتصور أن أغلب المصريين كانوا حريصين فى كل تحركاتهم على أمن بلادهم، وعدم تعكير أجواء النصر وتبديد مشاعر الفرحة، فقد كان واضحا أن الجميع يخشون على المحروسة من توابع الفوضى وعدم الاستقرار.
أردت من وراء سرد كل ما سبق الوصول إلى أمر مهم وهو أن خروج المصريين للتعبير عن آرائهم، لا يشكل أى خطراً على أمن البلاد، خاصة إذا جمعهم هدف واضح ومحدد.. فهل كان بمقدور أجهزة الأمن التصدى لجحافل الشباب ومنعهم من الخروج ليلة النصر للاحتفال بفوز المنتخب القومى؟، هل هناك جهاز أو جهة – مهما بلغت كفائتها – كان بوسعها وقف السيل البشرى العارم من التدفق إلى الشوارع والميادين؟، أظن أننا جميعاً متفقون على الإجابة بالنفى.. سؤال آخر ماذا ستفعل الأجهزة الأمنية لو قرر آلاف المصريين الذهاب إلى مطار القاهرة لاستقبال الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية؟، وما موقف السلطات فى حال أن حاول أعضاء اللجنة الشعبية لدعم ترشيح البرادعى إقامة حفل، ترحيبا بعودته إلى وطنه فى إستاد القاهرة؟ بصرف النظر عن أن البرادعى لم تتح أمامه الفرصة لتحقيق نصر مباشر للمصريين حتى الآن، مع ذلك هل سيتم السماح له بحرية عقد مؤتمرات صحفية مفتوحة؟، وهل سيتمكن من زيارة المناطق الأكثر فقراً التى قال عنها إنها ستكون على رأس أولوياته إذا أتيح له الترشح فى الانتخابات الرئاسية القادمة؟، وهل يمكن أن يجد البرادعى أو غيره من المصريين القادرين على جلب المساعدة وتحقيق النصر، من يخرج من الشعب لمساندتهم ودعمهم بنفس التلقائية التى تابعناها مع الفريق القومي؟
إذا نجحنا فى تحقيق توازن بين الحماس للرياضة والاهتمام بالسياسة، حينها نضمن أن عدوى الانتصارات ستنتقل لا محالة من الرياضة إلى السياسة، بعد أن أصبحت الأولى فيها كل شىء مباح، بينما الثانية تحاصرها القيود وتخنقها المحاذير.
لا شك أن المصريين يحبون بلادهم أضعاف حبهم للرياضة، ورغبتهم فى الفوز بمباراة لا يجوز مقارنته برغبتهم فى نيل حريتهم وتحرير إرادة وطن يستحق منهم التضحية، والاتحاد، تطلعا لنصر من نوع آخر سنظل فى انتظار الاحتفال به ولكن متى؟
• رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة