حنان كمال

7 ملايين مصرى مغترب بدون صوت انتخابى

الخميس، 11 فبراير 2010 07:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تبرع يا مؤمن ، إما بمائة جنيه قيمة الغرامة التى ينص عليها قانون مباشرة الحقوق السياسية على هؤلاء الذين لا يؤدون حق الوطن فى صندوق الانتخاب، أو بقيمة تذكرة ذهاب وعودة إلى ومن الوطن فى كل موسم انتخابى، أنا يا سيدى مواطنة كاملة الأهلية، أبلغ من العمر ما هو أكثر من الـ18 سنة التى حددها الدستور، وأدفع الضرائب والدمغات والرسوم والزكاة والصدقات وبشجع المنتخب، لست أنتمى لفئة ضباط الشرطة ولا للقوات المسلحة، وهى الفئات التى استثناها القانون من مباشرة حق التصويت والانتخاب، وحتى هذه اللحظة لا تنطبق علىَّ قواعد الحرمان السياسى التى هى مطبقة على الدكتور أيمن نور "الوحيد الذى أعرف أنه تنطبق عليه هذه الحالة"، ورغم كل ما سبق فأنا محرومة من حقى الشرعى والقانونى فى الإدلاء بصوتى الانتخابى فى سفارة مصر فى دولة الإمارات العربية التى أقيم بها، ومن ثم فأنا مهددة بالغرامة.. والأكثر أن من هذا أن الموقف الحالى أصابنى باضطراب ثورى إصلاحى وهى حالة سياسية نادرة.. كيف؟ سأحكى لك.

"أعرفك بنفسى".. محسوبتك ثورية قديمة، والثورى على أيامنا هو من كان يؤمن بالتغيير القادم عبر الثورة، ويكفر بالتغيير عبر صندوق الانتخاب، للثورى أسبابه، فهو يؤمن إيماناً مطلقاً بأن هناك يداً عليا تتدخل فى مسار الانتخابات فى بلادنا، هى التى تدفع أو تمنع مواطنين بعينهم من المشاركة، وهى التى تحدد هوية الأصوات التى تسكن الصناديق المظلمة، وتحدد مسار العملية برمتها، فتختار بالنيابة عنك.. والله ما أنت قايم، المهم يا عزيزى تأخرت الثورة كثيراً، فتاب الله علىَّ من الفكر الثورى، وشاركت فى انتخابات 1995، وشاهدت بعينى سيدتين من كبار السن ماتتا اختناقا بتأثير الغاز المسيل للدموع الذى ألقى بفعل اليد العليا على اللجنة الانتخابية بهدف تفريق أو فى الأغلب خنق الناخبين، من يومها وأنا أعانى من فوبيا الاختناق والانتخاب، وعليه فقد كانت انتخابات 95 بداية مرحلة جديدة فى حياتى، لا هى ثورية ولا هى ديمقراطية، وأكل العيش مر ومن ميزاته أنه ينسى الواحد كلاً من همومه الثورية والإصلاحية.

لكنى عدت مرة أخرى وتغيرت، إنها الغربة، إذ أنه وبعد سنتين من الابتعاد عن أجواء مصر الانتخابية، يبدو أننى نسيت تجربة الدخان الخانق، والبلطجة، والتزوير، والعنف الانتخابى، وعاد لى إيمانى بالديمقراطية، الأكثر من هذا أنى صرت حريصة على صوتى الانتخابى بتأثير من حملة "خلى عندك صوت" التى شجعتنى على أن يكون لى صوت، كيف يكون لى صوت؟ اكتشفت أننا كمغتربين لا يحق لنا بداية إصدار بطاقة انتخابية من سفارات مصر فى الخارج، ولا يتم التعامل مع السفارة حسبما ينص القانون الدولى، على أنها أرض مصرية لا تعارض بين يمارس المواطن فيها حقه فى الإدلاء بصوته الانتخابى وبين قانون مباشرة الحقوق السياسية الذى يشترط أن تكون عملية التصويت على أرض مصرية، بالمناسبة السفارات لا تقوم حتى بتجديد بطاقة الرقم القومى للمغترب المصرى، حسبما فهمت من أصدقائى المخضرمين فى الغربة، ماذا تفعل السفارات إذن؟ إنها ليست أكثر من فروع للشهر العقارى.. يا اكسلانس!!

إننا 7 ملايين مصرى يعيشون لظروف أكل العيش خارج البلاد، 7 ملايين مصرى تقريباً توازى أصواتهم إجمالى من يصوتون فى أى انتخابات مصرية، كان عدد من شاركوا فى الانتخابات الرئاسية عام 2005، 7 ملايين ناخب و305 آلاف، و36 ناخباً، من إجمالى ما يقرب من 32 مليون ناخب مسجلين فى الجداول الانتخابية، إذ أن المصريين بالخارج هم كتلة تصويتية لا تقل ثقلاً وأهمية عن مصرى الداخل، ولهم الحق فى الاختيار أيا ما كان اختيارهم مع الحكومة أو المعارضة.

"ضد من؟".. هل هو موقف ضد المغتربين؟ أم موقف ضد الديمقراطية يتم فيه التنكيل بأصوات المغتربين؟ ما شككنى فى أنه موقف ضد المغتربين بالأساس، هو أن الحملة التى انطلقت ضد ترشيح الدكتور البرادعى رئيساً للجمهورية استندت بشكل رئيس على أن الرجل عاش ما يقرب من 25 سنة خارج البلاد، وافق أو لا توافق على ترشيح البرادعى ولكن اعترف بأن الرجل عاش خارج البلاد كموظف دولى مرموق ولم يكن فى يوم من الأيام هارباً من العدالة، ولا منفياً مطارداً، علماً بأن لدينا وزراء مرموقين فى الحكومة لديهم جنسيات كندية وبريطانية وسعودية، ولم يعترض أحد على إدارتهم لشئون البلاد والعباد ولم يتحدث أحد عن إشكالية ازدواج الولاء، دع الخلق للخالق.

لكنه قد يكون بالأساس موقفاً ضد الديمقراطية، إذ أنه باستئصال الحقوق الدستورية لسبعة ملايين مصرى نريحهم ونستريح.. وتكتفى وزارة الداخلية بالتعامل مع أصوات مصرى الداخل، إذ يستحيل أن يتم إنشاء قسم شرطة ملحق بكل سفارة كى يقوم بالواجب.

"اللهم لا حسد".. المواطن الأمريكى فى العديد من الولايات يستمتع بممارسة حقه الانتخابى عبر البريد الإلكترونى، وليس عليك أن تثبت كونك خارج البلاد لممارسة هذا الحق، فيكفى أن تكون مشغولاً بعملك نهار يوم الانتخاب، لتستخدم هذا الحق، وتصوت عبر بريدك الإلكترونى، فى اليوم السابق، مع وجود ضمانات لعدم تزوير الصوت الإلكترونى، يستحق الأمريكيون الحسد على أشياء كثيرة.. ولكن فى ممارسة الحقوق الدستورية أجد نفسى أيضا أحسد الدكتور على الدين هلال، ففى تصريح له منشور على موقع اليوم السابع يؤكد فيه على أنه كان يقوم بالتصويت عبر السفارة حينما كان طالب بعثة بالخارج، وهذا يعنى أنه فى الستينيات "أيام الحكم الشمولى والديكتاتورية" لم يحرم المصريون من حقهم الدستورى فى التصويت، لا أعلم كيف تطورت الأمور فعلياً لسحب هذا الحق الذى هو حق أصيل وقرين بالمواطنة، علماً أنه لا توجد موانع قانونية، من أين يأتى المنع؟ يبدو أنه تنفيذى والله أعلم.

وقبل أن استكمل وصلة الحسد سأحكى لك ما حدث فى العام 1994، وإبان المرحلة الثورية من حياتى، كنت فى معسكر للشباب فى لبنان، والتقيت مع شاب موريتانى، أخذ يحكى ويحكى عن تحول بلاده نحو الديمقراطية، ولأن الثورى متسرع أحيانا فى أحكامه، سامحنى الله، فقد أمطرت الشاب بوابل من السخريات، وأذكر بالنص تعليقى "إذا كنا فى مصر العريقة من حيث التاريخ الديمقراطى لا نستطيع أن نزعم أننا بلد ديمقراطى، فهل يمكن أن تكون موريتانيا ديمقراطية"، مرت السنون وعشنا وشفنا تداولاً ديمقراطياً للسلطة بموريتانيا، بينما مصر مقبلة على التوريث، والأيام دول!!

فى هذا الصباح قابلت صديقاً عراقياً فى دبى، كان يستعد للإدلاء بصوته عبر سفارته فى الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة، بعد الظهر قابلت سودانياً، أخبرنى أن السفارة بجلالة قدرها اتصلت به ليذهب لتسجيل نفسه فى قوائم الناخبين للمشاركة فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وحيث أدركت أن اللبنانيين يفعلون نفس الشىء، ويبدو أن بلاد الواق الواق وبلاد تركب الأفيال أيضاً تفعل هذا، فقد فكرت فى طلب لجوء سياسى لدارفور حيث أن حالتى الديمقراطية لا تسمح بانتظار تعديل المادة 76، أو انتظار تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، أو وضع آليات ديمقراطية لتنفيذه، تعيش أنت يا حاج.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة