مدحت حسن

مجدى مهنا.. تجربة لا تنسى

الخميس، 11 فبراير 2010 07:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يشعر كل منا بقيمة ما بين يديه من أشياء إلا إذا قدر له أن يفقد بعضا مما لديه، حتى يبدأ الإحساس بالفعل بأنه افتقد قيمة ما فى حياته، وتتزايد مرارة الشعور بالافتقاد كلما زادت درجة الارتباط بما بدأ يضيع من بين أيدينا، الوقت يجرى سريعا.. عامان مرا منذ غيب الموت الأستاذ والصديق مجدى مهنا.

فلا أعلم إن كنت محظوظا أو سيىء الحظ لأنه منذ ثمانى سنوات كاملة عندما بدأ مجدى مهنا يستعد لتقديم برنامجه التليفزيونى فى الممنوع وكان يرأس تحرير الوفد، بدأ يبحث عمن يعاونه فى إعداد البرنامج الوليد، ولم يشأ وقتها أن يستعين بأحد من الزملاء من الوفد إرساء لمبدأ هو مقتنع به من عدم خلط العام بالخاص، فطلب من الصديق العزيز سليمان جودة أن يرشح له صحفيا من الأهرام لهذه المهمة، وقد كان الترشيح من نصيبى، ومن يومها لم يمر يوم لم يجمعنا فيه حوار هاتفى أو لقاء أسبوعى على الأقل، يقصر أحيانا أو يطول تبعا للظروف..

ورويدا رويدا بدأت الألفة والتفاهم والمحبة تنشأ، وتحولت العلاقة معه من كونى معاونا فى البرنامج إلى صديق مؤتمن وموضع ثقته فى عمله التليفزيونى، وتطورت العلاقة خطوات بعد تركه الوفد، حيث امتلك مزيدا من الوقت، واستمرت الثقة عندما بدأ مشروع إصدار المصرى اليوم وكان لى حظ أن أكون أحد أعضاء مجلس التحرير مع نخبه من الزملاء والأصدقاء، وقضيت شهرين ونصف الشهر استمتع بلقائه يوميا فى مقر المصرى اليوم، ومع الوقت زادت الثقة والألفة أكثر عندما بدأ مشروعه بتقديم برنامج بعد المداولة على شاشة التليفزيون المصرى، حيث كلفنى مع الصديقين محمود مسلم وعلاء الغطريفى بإعداد البرنامج، وزادت فرص لقاءاتى معه إلى ثلاث مرات أسبوعيا..

وكنت دائما أعتبر نفسى محظوظا أن وضعنى القدر فى طريقه لأكون محل ثقته، ولكننى الآن ومع ما أشعر به من آلام، لا أعرف هل كان من حظى أن اقتربت منه بهذا الشكل وعملت معه فى أفضل سنواته وأحببته بهذا القدر، أم أن ذلك كان درسا قاسيا لى فى الحياة أن أعمل معه وأحبه وأتعلق به ثم يختطفه القدر، فبالرغم من أننا كنا نرى النهاية قريبة جدا وخاصة فى العام الأخير إلا أننى أفتقده بشده، أفتقد مكالماته الصباحية يسأل عن ترتيبات ضيوف البرامج أو يطلب أن أقرأ شيئا نشر سيفيدنا فى حلقة ما، أو يؤكد على موعد إرسال المواد البحثية له عبر الفاكس، أفتقد بشدة حواراتنا القصيرة قبيل كل تسجيل، أفتقد بشدة مداعباته لنا، أفتقد بشدة حرصه ودأبه الشديدين واهتمامه بكل تفاصيل العمل، أفتقد التزامه واحترامه للمواعيد، أفتقد صوته بشدة.

وعلى الرغم من أننى مازلت أعيش فى أجواء ما كان يجمعنا من عمل ولقاءات وصداقة استمرت لسنوات وستبقى ذكراها للأبد ، إلا أننى أعتقد أن ما تركه لى ولأصدقائنا من تراث وذكرى وسمعة طيبة قد أعاننى كثيرا على أن أتعايش مع فقدانى أجمل تجربة مهنية مررت بها فى حياتى..

والمؤلم فى حالتى الخاصة أن من كان يعمل مع مجدى مهنا وكان قريبا منه مثلما كنت ستبقى معاناته أكبر وأشد فى التعامل والعمل مع كثيرين، وهو ما يجعلنى أتساءل بينى وبين نفسى ومع من شاركونى العمل معه كلما مررنا بتجربة عمل منذ رحيل مجدى مهنا، هل كان القدر رحيما بنا ليجعلنا نستمتع بذكرى مهنية لن تنسى؟ أم كان ذلك منحة إلهية لنا لنعرف الفرق دوما مع كل عمل جديد ولنوقن تماما أن رسل المحبة والخير عمرها قصير؟ وكلما رأيت الصورة التى تجمعنى معه والتى التقطت بالمصادفة فى أثناء إعدادنا لتسجيل الحلقة قبل الأخيرة من برنامجه بعد المداولة قبل وفاته بشهر تقريبا، أشكر الله كثيرا على هذه التجربة.

ذكريات وأحداث كثيرة معه لا يمكن أن أنساها ما حييت .. ولكن أحب أن أرصد شيئين، الأول مع ذكرى الأربعين لوفاته وبمبادرة من قناة دريم بدأت أعد لحلقة وثائقية عنه تضم شهادات مختلف التيارات السياسية والفكرية، وخلال أربعة أيام فقط كان أن تجمع لدى أكثر من 40 شهادة، وأشهد أننى لم أخاطب مسئولا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار إلا وكان ملبيا ومتفرغا لتسجيل كلمة عنه..

والثانى مبادرات متنوعة من شباب حريصين على تخليده من خلال تحركات متعددة عبر الإنترنت أو على أرض الواقع .. هم لم يلتقوه ولم يعرفوه عن قرب، فقط تعرفوا عليه عبر إطلالته على الشاشة ومقالاته المختلفة..

الموقفان يؤكدان أنه كان أشبه بمن ترك نبته طيبة فى أرض لن تموت .. يا لها من تجربة لن تنسى.

* كاتب صحفى بالأهرام








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة