د. بليغ حمدى

دليل التشغيل

الجمعة، 12 فبراير 2010 08:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مر أكثر من شهر بسرعة على تولى الدكتور أحمد زكى بدر وزارة التربية والتعليم وتقلد أختامها وسلطاتها التنفيذية والتشريعية، ووسط الضجة الإعلامية التى رافقت إقالة الوزير الأسبق يسرى الجمل صاحبت الوزير الجديد ولازمته ضجة أكبر. فالدكتور بدر لم يكن من الأسماء التى سمعنا أو قرأنا عنها فى الصحف أنها مرشحة لتولى سدة الوزارة، وكل الأخبار التى كانت تتناول اسمه اقتصرت على قراره المثير الخاص بتحويل 400 معيد ومدرس مساعد بجامعة عين شمس إلى وظائف إدارية بالجامعة بحجة أنهم تجاوزوا المدة القانونية للحصول على درجتى الماجستير والدكتوراه.
وبمجرد تولى الدكتور أحمد زكى الوزارة لم يسلم من الاتهام بالتقصير وإهدار أموال المنح التعليمية الأجنبية فى عهد الوزير السابق، رغم أنه غير مسئول عن ذلك، ومما ساعد فى الضجة التى لا تزال تصاحبه الاستقالات الجماعية لكبار مستشارى الدكتور يسرى الجمل، بالإضافة إلى تصريحاته اليومية المستدامة بأن التعليم يحتاج إلى جراحة عاجلة ودقيقة، وأنا معه فى أن النظام التعليمى نفسه يحتاج منذ سنوات ليست بالقليلة إلى جراحة عاجلة، وقبل إجراء هذه الجراحة يحتاج الطلاب وهم الفئة المستهدفة من العليم، وكذلك آباؤهم وأولياء أمورهم إلى علاج نفسى طويل الأجل لما سببته وزارة التربية والتعليم من متاعب وأعباء وإحباطات وأوجاع مزمنة نتيجة السياسات التى تنتهجها الوزارة.

وليس بعجيب أن نرى أصابع الاتهام تتجه إلى الدكتور أحمد زكى بدر بوصفه وزيراً لأخطر وزارة فى مصر لأنها منوطة بالعقل والتفكير، بأنه أحد أسباب الفتنة الطائفية فى مصر، وأنه السبب الحقيقى فى هوس المصريين بكرة القدم وإهمال الثقافة والمعرفة، وأنه أحد أسباب رعونة وتكاسل المواطنين فى نصرة إخوانهم المتضررين من السيول.

وأخيراً لم يسلم الوزير من سطوة جمعيات حقوق الإنسان التى بعضها تتربص بمصر ومستقبلها، حينما أعلن أمام مجلس الشورى بأن قرار الوزارة بمنع الضرب تجاه التلاميذ جعل من المعلم (ملطشة) على حد وصفه تحديدا. وفجأة راحت منظمات حقوق الإنسان فى مصر وبعض الدول العربية تجرم ما قاله الدكتور أحمد زكى، وتذكره بالقوانين والمواثيق التى تحرم وتندد بالاعتداء على الأطفال، ومدى التأثير السلبى على حالة الطفل النفسية والسيكولوجية.

وجاء هذا التصريح فرصة طيبة لبعض أساتذة التربية وعلم النفس الذين أصبحوا لا يفعلون شيئاً سوى إعطاء المحاضرات النظرية البعيدة عن الواقع للحديث عن نظريات التربية وعلم النفس، والاتجاهات النفسية والاجتماعية نحو استخدام العنف والضرب، وهذا ما نريده فى مصر بالقطع، خبر يعقبه هوس وجدل إعلامى والعائد ضياع الوقت والجهد وبكاء مستمر على اللبن المسكوب.

والحق أن أى وزير يأتى على رأس وزارة التربية والتعليم ليس معه دليل التشغيل الخاص بالوزارة وسياساتها التعليمية، فتجده يردد بأن التعليم استثمار، وقضية أمن قومى تشبه الجدار الفولاذى الذى تشيده مصر عند حدودها، والتعليم عملية مستمرة مستدامة، لا ترتبط بشخص أو مسئول، بل تتعانق مع سياسات واضحة المعالم، ورؤى استشرافية تهدف إلى الإصلاح والنهوض، وغير ذلك من العبارات التى تؤكد عدم جاهزية المسئول عند توليه المسئولية الوزارية.

ولنا أن ننتظر وإن طال فى عهد الدكتور أحمد زكى هذا العام طفلاً يتحدث العربية بطلاقة، أو يكتب خطاباً للغرب يصور فيه سماحة الإسلام، وآخر يقص قصة عن أهمية العلم التكنولوجى فى حياتنا، وثالثاً يطور إحدى النظريات الفيزيائية التى يدرسها.

ولاشك أننى من المتعاطفين مع الدكتور أحمد زكى بدر حينما تولى رئاسة وزارة التربية والتعليم، لأنها وزارة مهمومة بتنمية التفكير وتنشيط العقل، واكتشاف المواهب، ولقد سئمت فى الأشهر الماضية حينما كنت أقرأ الأخبار المتعلقة بالوزارة، والتى لا تخرج عن إصابة طالب بأنفلونزا الخنازير، وطالبة تم اغتصابها على يد عامل بالمدرسة، ومعلمة تم التحرش بها عن طريق زميلها، ورجل ذو سلطة ونفوذ صفع معلماً على وجهه لأن الأخير أهان ابنه أمام زملائه.

لكن بنظرة سريعة، وليست فاحصة لأوضاع التعليم والعملية التعليمية فى مصر المحروسة، نستطيع أن نستقرئ ملحوظات متباينة ومتناقضة، فالوزارة تؤكد صباح مساء أنها تسعى لتحقيق الجودة والاعتماد لمؤسساتها التعليمية ومنافسة النظم التعليمية المتقدمة، وهى بلا شك بعيدة عن مجتمع المعرفة الذى يحتاج بحق إلى دليل للتشغيل مثل دليل التشغيل الخاص باستخدام الأجهزة الإليكترونية الدقيقة.

ودعنى أذكرك بعبارة طريفة لفولتير عندما قال: "قبل أن تتحدث معى حدد مصطلحاتك"، والمقصود بالمصطلحات هنا هو دليل التشغيل الخاص بعمل الوزارة فى الأيام المقبلة حتى لا يسرقنا الوقت، فقطر منذ شهرين عقد مؤتمراً اهتم عالمياً للابتكار فى التعليم، يهدف إلى الارتقاء بمستوى التعليم ودوره فى مواجهة التحديات العالمية المعاصرة، ودوره الخطير فى بنية الهوية.

أما هنا فى مصر فأتمنى أن يصبح التعليم حقاً أصيلاً فى بنية الهوية المصرية والعربية، وأن تسهم الوزارة فى جعل المعلم والطالب وولى الأمر شركاء فى صناعة القرار التعليمى، لا جعلهم مجرد متفرجين أو عساكر أو جنود يتلقون الأوامر نصياً دون مناقشة أو مشاركة أو حق الاستفسار عن لماذا هذا الأمر، ولماذا لا يكون غيره صحيحاً؟

* دكتوراه فى فلسفة الإدارة








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة