د. خميس الهلباوى

هل النجاح فى كرة القدم مقياس لنجاح الأمم؟

الجمعة، 12 فبراير 2010 08:44 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقول البعض أن النجاح وتحقيق الانتصارات فى كرة القدم المعروفة باسم Soccer عالمياً يعتبر نجاحا للدولة فى تحقيق انتصارات مماثلة فى أمور حقوق المواطنة والحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية، حقوق الإنسان.‏.

ولكن واقع الأمر لا يؤيد ذلك القول، والأسباب هى أن لعبة كرة القدم لعبة شعبية بالدرجة الأولى وغالبا ما يمارسها الفقراء الأقل فقراً فى المجتمعات المتخلفة الآن، حيث التحكم بالكرة بواسطة القدم كان يمارسها القرويون، فى أوروبا العصور الوسطى على غِرار الرياضة التى كانت تُمارس من قبل الأستقراطيين على أمتنة جيادهم "الهوكى".

فنجد الدول المتقدمة كروياً بالضرورة دولا فقيرة، حيث إن هذه الرياضة هى الأقل تكلفة للفقراء ويمكن لعبها فى شوارع وأزقة المدن، ولا تحتاج إلى ملاعب خاصة مثل التنس الأرضى أو الكرة الطائرة ولا الألعاب الأخرى، لذلك فهى تمارس بكثافة وتمارسها معظم الفئات الفقيرة من الشعوب فى دول جنوب أمريكا الجنوبية وجنوب القارة الأفريقية، وهى التى تلهى الشعوب الفقيرة عن ممارسة دورها السياسى فى شئون بلادها فى تلك الدول، الحياة فى مستويات متدنية من المعيشة، وتاريخ كرة القدم تاريخ طويل لا يتسع المجال للتحدث عنه، ولكن وفى نفس الوقت نجدها انتشرت فى أوروبا ويلاحظ أن غالبية أبطالها الأفذاذ من الدول الفقيرة، وأصبحت اللعبة الأولى ولكنها لا تعبر عن تقدم أو تخلف الأمم.

ومنذ انتهاء بطولة كأس القارات التى شرفنا بها فريقنا القومى العظيم، بعد تشجيع السيد الرئيس له تشجيعاً مؤزراً بعد كارثة أم درمان واستطاع الفريق القومى رد الاعتبار ورد الصاع صاعين للفريق الجزائرى عندما توفرت الإدارة الحازمة للمباراة التى جرت فى أنجولا وأعطى فريقنا الفريق الجزائرى درساً قاسياً فى فنون كرة القدم ودرساً أشد قسوة فى الأخلاق الرياضية السامية، وكان ذلك نصراً مؤزراً بإحراز كأس الأمم الأفريقية لسابع مرة فى تاريخه ولثالث مرة على التوالى والاحتفاظ بالكأس إلى الأبد وهو ما عبرت عنه وسائل الإعلام المختلفة‏ وابتهجنا جميعا به.
وأجمعت جميع الآراء والتقارير على قيمة ماجرى، فلماذا أخفقنا فى إنجازاتنا فى المجالات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولم ننجح فيها مثل مانجحنا فى أنجولا.

فنجد النظام لا يزال يتخبط بحكومته ووزراؤه، فالقمامة تملأ شوارع مصر، ولم يحدث أن حصلت جامعة واحدة مصرية على شرف إدراجها فى قائمة الجامعات العشر الأوائل بين جامعات العالم فى التقرير الأخير كما حدث فى إسرائيل، ومازالت نسبة البطالة فى مصر من أكبر نسب البطالة فى العالم، ولا تزال الأسعار فى ارتفاع مستمر، مع ثبات الدخل تقريباً، ولا تزال آلام الشعب المصرى وشكواه تتزايد من ضيق ذات اليد وانعدام الديمقراطية‏...الخ.‏

فما علاقة ما حدث من نصر رياضى كروى بعد الحصول على كأس القارة الأفريقية، بنجاح نظام الحكم فى مصر الذى مازال نظاما رئاسيا مركزيا، ومازال تعيين الوزراء يتم بدون معايير علمية، وتتم الانتخابات بدون شفافية، ولم تطبق الديمقراطية وحقوق المواطنة، وما زالت تقريبا تحكم بلا دستور حقيقى نابع من إرادة الشعب.

وهنا يجب توضيح أن هذا النصر الكروى هو ثمرة كفاح وجهد الجهاز الكروى واللاعبين الذين بدأ المدير الفنى فى إعدادهم من قبل عام 1998، وما قبله، وبتشجيع الشعب المصرى كله بجميع فئاته وعلى رأسهم الرئيس محمد حسنى مبارك شخصيا وأنجاله، وليس للحزب الوطنى ولا الحكومة فضل فى ذلك.

وتحاول بعض الأقلام المنتمية للحزب ولجنة السياسات ومجلس الشورى أن تنسب إنجازات الفريق القومى إلى الحزب والحكومة، زوراً وبهتانا، مع أن الحزب الوطنى يحبط هذا الشعب ويعمل ضد مصالحه ولا يمثل الغالبية الحقيقية منه، والحكومة تزرع اليأس فى قلبه بالإهمال والعجز عن مواجهة ومعالجة الأزمات.

ولا نستطيع القول بأن الانتصار الكروى هذا العام يعتبر دليلاً على أى إصلاح سياسى أو اقتصادى فى مصر، وقد يعتبر هذا النجاح هو خطة من مدرب استطاع أن ينشئ جيلا كاملا للفريق القومى يدربه منذ أن كان أفراده أشبالا يلعبون فى البطولات الدولية الشبابية، حتى اندمجوا وتجانسوا وأصبحوا فريقا متجانساً وقد لا يمكن تكرار هذه التجربة مرة أخرى وإن كنا نتمنى استمرارها، فالبطولات الرياضية تتراوح بين الدول وبين الأزمنة، وقد تخفق دولة وتنجح مرة أخرى، ولكن النظم السياسية عندما تفشل لا تقوم مرة أخرى إلا بالتغيير والتعديل، ومثال ذلك أن الفريق المصرى نفسه هزم إيطاليا وانهزم من أمريكا العام الماضى فهل اختلف النظام والمستوى الاقتصادى منذ عام فقط.

وقد ينجح شعب من العرايا والجوعى فى لعبة رياضية مثل كرة القدم مرة، ولكنه لا يمكن أن ينجح كل مرة، إلا إذا وجد قوت يومه وتمتع بدخل سنوى مثل باقى شعوب العالم المتحضرة، فلا يجب انتهاز فرصة نجاح فريق مكون من 36 لاعبا على الأكثر والقول إن هذا دليلا على تقدم هذا المجتمع، اتقوا الله فى هذا الشعب يا حضرات الكتاب.

إن البنية الأساسية الرياضية التى تم بناؤها فى شكل ملاعب وصالات، تمت فقط بسبب رغبة السيد الرئيس فى الحصول على موافقة الاتحاد الدولى على إقامة مباريات كأس العالم 2010 فى مصر، ولم يتم توسيع البنية الأساسية الرياضية وفقاً لخطة خمسية أو عشرية من الحكومة، لسبب بسيط وهو أن جميع الوزراء معينون ولا يعرفون سبب تعيينهم وزراء، وليس لديهم أجندات طويلة الأجل، ولا يقومون بالابتكار والإبداع لصالح هذا الشعب، وليس لهم حرية فى هذا.

وما يتم إنفاقه على الرياضة فى مصر، لا يتعدى قيمة قطعة أرض منهوبة من هذا الشعب نهبها مستثمر من مراكز القوى، وأخيراً أود القول والتساؤل لماذا تنكرون على هذا الشعب التقدم الطبيعى، الذى لابد أن يحدث من تلقاء نفسه مثل الارتفاع البسيط فى مستويات المعيشة؟

لا يوجد أى تطورات مخططة فى مصر لسبب بسيط وهو أنه لا توجد خطة خمسية ولا خطة عشرية للتنمية على الأقل، منذ أن كانت للخطة الأولى هى تحرير الأرض من المحتل الإسرائيلى، ومازال السيد الرئيس مشغولاً بمشكلة الأمن القومى والحدود المصرية والمحافظة عليها، ومشاكل الجماعات الدينية المتطرفة مسلمة ومسيحية داخل وخارج مصر، وما زال نظام الحكم كما "أفهم"، نظاما استثنائيا يتحرك فيه السيد الرئيس بأولويات الأمن القومى المصرى ثم الشأن الداخلى والتدخل عند عجز الوزراء عن مواجهة الأزمات والتعامل معها، ولكن لا توجد خطة قومية خمسية ولا عشرية مثلما كان يحدث فى عهد الرئيس عبد الناصر، وقد يعدل الرئيس مبارك النظام بنفسه بمجرد الانتهاء من تحيقيق أولوياته التى وضعها على كاهله.


إننا نؤمن بأن الدستور الحالى لا يصلح لحكم ديمقراطى، وتغيير الدستور يستوجب أولاً، حسم بعض الأمور الهامة من السيد الرئيس ومنها مشكلة الأمن القومى الخارجى والداخلى، وحسم النخبة السياسية والفكرية أمرها فى أمور أساسية مثل علاقة الدين بالدولة، ونحن نصبر الآن من أجل ذلك لأنه لابد من حسم أمور الأمن القومى قبل حسم أمر الدستور.

ولكن قبل ذلك يجب تحديد من هى النخبة السياسية فى مصر بدقة لأن النخبة السياسية الحالية لا تعبر عن الشعب المصرى، لأنها ليست من يسمون أنفسهم كبار رجال الأعمال الذين يسخرون مقدرات الشعب فى رشوة ضعاف النفوس وشراء أصواتهم، وهم الذين يسيطرون على مجلسى الشعب والشورى، وهم ليسوا بعض أعضاء مجلس الشعب الذين لا يمثلون إلا أنفسهم محترفو التزوير، والآكلون على جميع الموائد، لذلك يجب أولا تنقية النخبة السياسية من الانتهازيين، ومن الجهلة وممن لا يمثلون الشعب، ويجب تثقيف الشعب سياسياً حتى يختار من يمثله من نخبة سياسية حقيقية، وليس نخبة زائفة مجرد ديكور كما هو حادث الآن.

* دكتوراه فى الأعمال ورجل أعمال





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة