عندما يهجم الجراد يتحرك الجميع لمواجهته. الجراد يأكل الأخضر واليابس، فما بالنا بحكومة تصدر قرارا لمنح الجراد حق التهام الزرع فى 500 فدان، وحتى الجراد يأكل الزرع ويترك الأرض، لكن جراد القرار الحكومى فى قرية المريس يلتهم الأرض والزرع، ويقضى على حق البشر فى الحياة.
قبل ثلاثة أعوام صدر القرار 264 لسنة 2007 بتقرير المنفعة العامة لمشروع إنشاء مرسى عملاق للفنادق العائمة جنوب كوبرى البغدادى بالبر الغربى لقرية المريس بمدينة الأقصر من اجل أعمال المنفعة العامة بإجمالى مساحة 500 فدان. كان من الممكن قبول هذا القرار لو كانت المنفعة العامة لإنشاء مشروع لابديل له مثل السد العالي، لكن إنشاء مرسى للعوائم السياحية أمر يمكن النقاش حوله وهناك بدائل مطروحة من قبل أهالى القرية من الخبراء والمختصين.
كيف يمكن أن يرتاح قلب مسئول وهو يوقع قرارا بانتزاع وتدمير 500 فدان من أجود الأراضى الزراعية، وإزالة أهلها ونقلهم من الأرض التى نشاوا عليها وتربوا فيها وولدوا فيها ودفنوا موتاهم فى باطنها. ومن اجل مشروع سياحى يمكن أقامته فى الناحية الأخرى فى الصحراء وليس على الأرض الخضراء وليس فى مكان الزرع والشجر والمدارس والمستشفيات.
أهالى المريس متحضرون أقاموا المدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية والمساجد بجهودهم الذاتية والأرض التى يعيش عليها اكثر من 12 ألف أسرة بما يتجاوز الخمسين ألف نسمة يواجهون قرار زحف الجراد بحملة اعتراض متحضرة، يرفعون الدستور فى مواجهة الجراد الدستور الذى يحدد المنفعة العامة بأنها المنفعة التى لا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها.
وعندما يكون الحديث عن الاستثمار لا يمكن أن يذهب عقل العاقل إلى تدمير أراضى زراعية أو انتزاع الخضرة أو تشريد آلاف المواطنين، خاصة وأن المشروع المطروح هو مشروع سياحى ومع الاعتراف بفوائد السياحة لايمكن تقبل إقامتها على أنقاض بشر وعلى حساب 500 فدان أرض وطرد سكان المكان الأصليين وإلا تجاوز الأمر الاستثمار إلى الاستعمار.
الأعداء فقط هم الذين يطردون الأهالى ليحلوا مكانهم، خاصة وأن أهالى المريس طرحوا بدائل، واستعانوا بخبراء هندسيين منهم الخبير الكبير الدكتور ممدوح حمزة الذى طرح فكرة إنشاء مرسى سياحى بديل فى البر الشرقى للنيل وفى الأرض الصحراوية وليس على الأرض الزراعية.
أيها السادة أن تدمير الأراضى الخصبة فى المريس وطرد السكان وتدمير حياتهم جريمة ترتكب علنا وتخالف الدستور والقانون والعرف وكل القواعد الإنسانية والحضارية جريمة تشبه إطلاق الجراد بقرار حكومى. وهذا القرار واجه معارضة من خبراء القانون وخبراء الهندسة ومئات الآلاف من المثقفين، الذين يرون عملية تدمير الأرض والزرع والحضارة باسم المنفعة العامة، وهى منهم براء، أنها منافع خاصة، وضيقة. جريمة ترتكب علنا وفى وضح النهار.
لقد جاء يوما ما من أراد ردم النيل بزعم إقامة طريق أو نفق على النيل، وكادت الجريمة تقع لولا الانتباه فى اللحظات الأخيرة، لم توجد حكومة فى مصر تفكر فى ردم النيل ولم يظهر حاكم يقضى على الأرض الزراعية من اجل إنشاء مشروع سياحى، خاصة وأن البدائل موجودة. على الجميع أن يساندوا أهل المريس فى مواجهة الجراد. وإذا كان القضاء تصدى لمحاولة انتزاع ارض جزيرة القرصاية، فإن نفس القضاء هوز الذى سبق له إلغاء القرار الشاذ بانتزاع الأراضى الزراعية فى المريس.
إنها جريمة يواصل أهالى المريس رفضها ومقاومتها بكل الطرق حتى الآن. لأنهم يرفضون الاستعمار القادم باسم الاستثمار.