حمدى الحسينى

التطبيع.. بورق "الكلنيكس"!!

الأحد، 14 فبراير 2010 07:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أثناء القمة التى جمعتهما بالخرطوم قبل أيام، انفعل الرئيسان السودانى عمر البشير والتشادى إدريس ديبى، ولم يجدا أمامهما أى شئٍ يلوحان به للصحفيين والوفود المشاركة فى القمة، سوى مناديل ورقية التقطاها من على الطاولة بطريقة تلقائية، كدليلٍ على رغبتهما فى طى صفحات الماضى الأليم.

إن المتابع لتطور،العلاقة المتوترة بين البلدين منذ اندلاع أزمة دارفور فى مارس 2003، لابد أن يتملكَهُ الشكُ فى نوايا الجانين.. السبب فى ذلك يرجع إلى الرصيد الهائل من عدم الثقة بينهما، والذى وصل إلى حد محاولة كل طرف إزاحة الآخر من السلطة عبر دعم وتشجيع الانقلابات العسكرية.. ففى فبراير 2008 قام التمرد التشادى المدعوم سودانياً بهجومٍ كاسح على العاصمة "انجامينا"،حتى وصل إلى أسوار القصر الرئاسى التشادى، ولولا الاختلاف بين قوى التمرد فى اللحظة الأخيرة على تسمية الشخص الذى سيتولى مقاليد السلطة بعد القبض على الرئيس "ديبى" كان بوسعهم الإطاحة به والاستيلاء على السلطة فى تشاد، قبل وصول الدعم الفرنسى الذى قلب الموازين وأحبط عملية الانقلاب.. لم تمضِ سوى شهور قليلة على تلك المحاولة، وبالتحديد فى مايو من نفس العام، حتى استيقظ سكان العاصمة السودانية الخرطوم على زحف جحافل حركة العدل والمساواة المتمردة المدعومة من تشاد متجهة إلى مدينة أم درمان، فى محاولة سهلة للاستيلاء على السلطة فى السودان، وإعلان خليل إبراهيم زعيم التمرد رئيساً جديداً للبلاد.

المصافحة الدافئة والابتسامات العريضة التى تبادلها الرئيسان الأفريقيان خلال تلك القمة، أخفت خلفها خمس سنوات من المواجهات الدموية والمناوشات العسكرية التى خلفت آلاف القتلى والجرحى، واستنزفت طاقات وثروات البلدين، كما بددت مليارات الدولارات على مغامرات عسكرية فاشلة.. فهل اقتنع الرئيسان الجاران بأن هذه المليارات والثروات كان الأولى بها أن توجه لخدمة برامج التنمية وانتشال الشعبين من براثن الجوع والتشرد؟
كل محبٍ للسلام، يتمنى للشعبين السودانى والتشادى الاستقرار، ويأمل فى أن تكون هذه المصالحة هى نهاية المطاف للصراع المسلح بينهما.. لكن يجب أن نشير هنا إلى التحولات السياسية التى دفعتهما دفعا إلى ضرورة الجلوس على مائدة التفاوض.. بالنسبة لتشاد فقد قررت قوى التمرد المعارضة توحيد صفوفها تحت راية حزب واحد يحمل اسم "اتحاد قوى المقاومة".. هؤلاء المتمردون عقدوا مؤتمراً جامعاً نهاية 2009، بمنطقة تقع على الحدود المشتركة بين السودان وتشاد.. هذا المؤتمر حمل رسالة هامة للرئيس التشادى مفادها أنهم تعلموا الدرس وبدأوا الاستعداد لجولة أخرى حاسمة، هدفها الإطاحة به من سدة الحكم.. هذا التطور جعله يتخلى عن دعم التمرد فى دارفور حتى يضمن احتواء النظام الحاكم فى السودان ومن ثم يضمن وقف دعمه للفصائل المتمردة على حكمه.

أما بالنسبة للسودان فقد وصلت المفاوضات مع متمردى دارفور فى "الدوحة" إلى طريق مسدود، فى الوقت الذى تستعد فيه البلاد لإجراء انتخابات رئاسية المنافس الرئيسى فيها هو الرئيس البشير نفسه، ومن ثم سيضمن باتفاقه الأخير مع تشاد هدوءً نسبياً ضرورياً على جبهة دارفور، خاصة أن متغيراً هاماً ومفاجئاً طرأ على الأزمة بين البشير والمحكمة الجنائية الدولية، عندما أبطلت دائرة الاستئناف بها قراراً سابقاً، كان قد أسقط تهمة الإبادة الجماعية من بين التهم الموجهة إليه.. هذا القرار ساهم فى تعقيد الموقف بين نظام البشير والعالم الخارجى، وضاعف من الضغوط الدوليه عليه.

أظن أن الصورة السياسية المعقدة فى داخل البلدين كانت الحاضر الغائب على طاولة المفاوضات التى جمعت بين البشير وديبى،مما جعلهما نموذجاً صارخاً للمثل القائل: "أصدقاء اليوم أعداء الأمس"، فقد شكلت حزمة المشكلات الداخلية والتهديدات الخارجية على كليهما عناصر ضغطٍ دفعتهما لعقد قمتهما التى تأخرت كثيراً، حتى أن كليهما لم يتمكنا من السيطرة على مشاعر اللهفة لإظهار رغبتهما فى تحقيق السلام وفتح صفحة جديدة فى علاقاتهما الرمادية.. هذه اللهفة أنست كل منهما أن"شارة السلام"التى أعلنا بها عن بدء مرحلة جديدة من تطبيع العلاقات بين بلديهما ليست سوى مناديل "كلينكس".!!

* رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة