لا أعرف موقفك الشخصى من السيد وزير المالية يوسف بطرس غالى، ولكنى أتوقع أن تكون مثلى عضوا فى الحزب الشعبى الكبير الذى يكره هذا الرجل بسبب إصراره على العبث بجيوب الغلابة من المصريين، ورغم ذلك دعنى أطمع أن تكون مثلى معترفا على مضض بأن هذا الرجل هو أحد أنشط وزراء مصر وأكثرهم علما ومعرفة واحتراما فى الأوساط العالمية، وأن كل المقومات الاقتصادية التى يملكها اختفت بعدما أصبح مجرد ترس فى منظومة حكمت وبقيت لتمص دم الشعب الذى تحكمه.
قد لا توافقنى على ماسبق من كلام، وقد تجده غريبا فى ظل الحملة البرلمانية والصحفية الشرسة ضد وزير المالية، بسبب قرارات علاجه على نفقة الدولة، أنا عن نفسى مقتنع بأن الهجوم على يوسف بطرس غالى وطلبات محاسبته على الأموال التى أنفقها فى رحلته العلاجية، لعبة قديمة وساذجة من نواب يعانون من وقت فراغ مذهل، ويحلمون بظهور فضائى على قفا أى وزير لا يملك سلطة ضرهم أو تهديدهم أو منع تمرير خدمات لكبار بلطجية دوائرهم المسئولين عن إنجاحهم فى الانتخابات.
أنا لا أدافع عن وزير المالية ولا أقول إن علاجه على نفقة الدولة بمليون جنيه أمر طبيعى فى ظل وجود آلاف من الغلابة أرواحهم معلقة بقرارات علاج لا تتعدى ربع المبلغ المذكور، ولكن كل ما أريد أن أصل إليه هو أنه لا يجوز لنواب يهدرون الملايين من أموال الدولة شهريا أو سنويا تحت غطاء وهمى اسمه تمثيل الشعب أن يحاسبوا الوزير الذى لم يخف حكاية علاجه كما يخفون هم قرارات تخصيص الأراضى والخدمات التى يحصلون عليها من تحت الترابيزة، وتكشف عنها صفحات الحوادث بالصدفة، لا يجوز لنواب البرلمان أن يطلبوا من بطرس غالى رد أموال علاجه أو محاسبته على ذلك، لأن بطرس غالى لم يحصل على تلك الأموال عنوة من خزانة الدولة، وإذا كانوا يتمتعون بالشجاعة الكافية فليطلبوا محاسبة رئيس الجمهورية والمسئولين الكبار الذين سمحوا لوزير المالية بالحصول على ذلك المبلغ، إذا كانوا شجعانا بالفعل ومعارضين بجد فليطلبوا من الرئيس نفسه أوراقا تثبت لهم أن نفقات علاجه لم تكن على حساب الدولة، أو يطلبوا من المسئولين الكبار أوراقا تثبت لهم أن سفرياتهم لتشجيع المنتخب لم تكن على حساب جيوب الغلابة المطحونين.
إذا كان السادة النواب نجوم الفضائيات والصحف شجعانا وخائفين على مال البلد بجد فليتقدم كل منهم بكشف حساب عن أدائه وفاعليته تحت القبة ومدى مساهمته فى خدمة أهالى دائرته، لكى نقارن إذا كان يستحق الحصول على تلك الآلاف التى يستقطعها من مال الدولة كبدل جلسات وانتقالات، بخلاف المميزات والآلاف الأخرى التى يحصل عليها بسبب صفته البرلمانية، وأنا واثق وقتها أن قلة منهم فقط هى التى ستنجو من تهمة إهدار المال العام والنصب على الشعب.. وتحديدا عملية النصب الكبرى التى نجحوا من خلالها فى إفساد الثقافة الانتخابية للشعب المصرى، حينما جعلوا منه مرتشيا يمنح صوته لمن يدفع أكثر، وأقنعوه أن أعضاء مجلس الشعب دورهم ينحصر فى توفير كارت توصية لتعيين ابنه، أو الحصول على واسطة حكومية من أجل توفير رقم لوحات مميزة للسيارة أو استخراج رخصة قيادة، حتى لا ينكشف جهلهم وضعفهم وقلة حيلتهم، حينما يرى المواطنون قوانين الضرائب والطوارئ والتأمين الصحى وبقية القوانين التى تعصرهم يتم تمريرها أمام السادة النواب الفطاحل دون أن يقولوا «بم» أو حتى «بم بم»، أو يدركوا أنهم أصبحوا شركاء للحكومة فى كل الجرائم التى ترتكبها فى حق المواطن والوطن.