أمس الأربعاء نظم عدد من الأئمة والخطباء التابعين لوزارة الأوقاف وقفة احتجاجية أمام الوزارة، طالبوا فيها بتحسين أحوالهم ورفع رواتبهم التى لا تتعدى حاجز الخمسمائة جنيه فى الشهر، وزادوا على ذلك رغبتهم فى إنشاء نقابة خاصة بهم.. حتى هنا وكل شىء جميل وتمام ومشروع ويستحق الكثير من التحية والاحترام ..فلا الوقفات الاحتجاجية حرام كما يقول بعض هؤلاء الدعاة حينما تجبرهم الحكومة على قول ذلك فى زمن المظاهرات، ولا الاعتصام من أجل رفع الرواتب عيب ومضيعة للوقت كما قال بعض إخواننا من أئمة المساجد وقت اعتصام موظفى الضرائب العقارية الذى أرهق الحكومة فأطلقت عليهم خطباء الجمعة ليؤكدون أن إثم الاعتصام أكبر من نوافعه لأنه تضييع لوقت ومصالح الناس..راجع الصحف فى زمن المظاهرات واعتصامات عمال المحلة وإضرابات موظفى الضرائب العقارية وستكتشف بنفسك أن خطباء الجمعة فى المساجد الكبيرة والمساجد الموجودة فى مدن وميادين المظاهرات قالوا فى تلك المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات ماقاله القرآن فى إبليس وشياطينه من الإنس والجن.
ما سبق يمكننا النظر إليه من زوايتين..الأولى تقول إن ماحدث بالأمس ماهو إلا تعبير عن حالة الشيزوفرينيا الدينية التى نعيشها، والتى تجعل عددا كبيرا من أئمة مساجدنا وخطبائنا يقولون للناس مالايفعلون، بل أحيانا لا يقولون إلا ما يملى عليهم من الوزارة وأجهزة الأمن وليس من كتاب الله وسنة نبيه، ويبدو تأثير هذا واضحا فى خطبة الجمعة التى أصبحت عملية تأدية واجب بالنسبة لعدد كبير من المصلين، أصبح يذهب إلى المسجد وهو يعلم مسبقا بما يقوله الخطيب، ويعلم مسبقا أنه غير ملتزم بالاستماع أو الإيمان أو الإنصات لكلام يردده رجل حافظ ومش فاهم ساعده الظرف التعليمى وخلو سجله الأمنى من أى ملاحظات تشير إلى إيمانه بأى قضية محترمة على ترقى المنبر والخطابة فى الناس بالكلام الذى يسير على هوى المسئولين بوزارة الأوقاف، وبالتالى المسئولين فى وزارة الداخلية، وإلا بماذا تفسر لى إصرار أغلب خطباء المساجد على اقتصار الخطبة فى جمل الثناء والحمد والشكر والدعاء لولاة الأمور، والحديث عن الغيبيات والجنة والنار دون أدنى مناقشة لتلال المشاكل الذى تغرق فيه البلاد وشلال الأخطاء الذى يفيض فوق رؤوسنا!
أما الزاوية التانية فيمكننا النظر من خلالها إلى الأمر على أنه حدث جيد، واعتراف مهم من أئمة مصر بأن المظاهرات والاعتصامات ليست إثما من عمل الشيطان، وفى نفس الوقت تأكيد أهم على أن عددا من خطباء مصر مازال لديهم شجاعة الاعتراض حتى ولو كان اعتراضهم محصور فى زيادة المرتب، فتلك شرارة يمكن أن نكتفى بها حتى حين، ولكن قبل أن تفرح بالنظر إلى الأمور من تلك الزاوية عليك أن تعود معى إلى أحداث الوقفة الاحتجاجية التى نظمها الدعاة بالأمس وتركز معى فى تلك اللحظة التى رفع فيها بعض الخطباء لوحات ولافتات، وهتفوا بشعار يقول "غضب الدعاة من غضب الله".. آه والله هذا حدث ومثبت بالصور التى نشرت مرفقة بالخبر الذى نشره موقع اليوم السابع مساء أمس ..
لا أعرف ما هو وقع هذا الهتاف أو الشعار على أذنيك؟ ولكن بالنسبة لى كان وقعه مخيفا ومرعبا، فهو لا يعنى فقط أن هؤلاء الذين يخطبون فينا الجمعة ويعلموننا ديننا لم يجدوا أى غضاضة فى أن يستغلوا اسم الله فى غير محله، ولم يخجلوا من التجارة باسم المولى عز وجل، ولكنه يعنى أن هناك من رجال الدين من يعيش بيننا وهو مقتنع بأنه متحدث باسم الله، مثله مثل أولئك الذين سيطروا على الكنيسة فى عصور ظلام الدنيا، يعنى أن هناك من رجال الدين من يعيش بيننا وهو مقتنع بأنه يملك حق توزيع غضب الله وعذابه ولعناته وجحيمه، يعنى أن هناك الكثير من رجال الدين مقتنعون بأنهم يتحدثون باسم الله..
وكل ما سبق يعنى أننا مقبلون على كارثة "سودة".. أيوة بالبلدى كده مصيبة هباب، منبعها جيل جديد من الخطباء ورجال الدين ينشرون نوعا جديدا من الدين على هواهم.. وهم فيه يملكون حق توزيع صكوك الجنة، وتحديد من يستحق غضب الله ولعنته حسب مزاجهم الشخصى أو حسب مزاج من يمنحهم الراتب أو يرفعه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة