تنص المادة الأولى من الدستور المصرى على أن: "جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى يقوم على أساس المواطنة"، وبرغم هذا التعديل الدستورى غير أن الواقع المعاش يؤكد أن هذه المواطنة ما هى إلا حبر على ورق، فما زال الشارع المصرى تغيب عنه ثقافة المواطنة، التى تعرف بأنها ثقافة ممارسة الحقوق وأداء الواجبات التى كفلها الدستور والقانون, وذلك فى إطار مناخ ديمقراطى, بمعنى حرص المواطن على القيام بسلوكيات واجباته، وفى مقدمتها: التعبير عن الرأى والمشاركة فى العمل العام, واستخراج البطاقة الانتخابية, والتصويت فى الانتخابات, والاستفتاءات العامة، والانضمام إلى الأحزاب والاتحادات العامة والنقابات, والعمل التطوعى والأهلى, والدفاع عن حقوق الإنسان.. إلخ.
وبالطبع، يترتب على التمتع بالمواطنة منظومة من الحقوق والواجبات ترتكز على أربع قيم محورية هى: قيمة المساواة وقيمة الحرية وقيمة المشاركة والمسئولية الاجتماعية، وهذه القيم أيضاً لا تعرف مكاناً بالمجتمع المصرى.
أما بالنسبة لأشكال وجوانب المواطنة، فهناك البعد القانونى: ويشمل المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات دون تمييز بينهم بسبب الدين أو العرق أو اللون أو الجنس.. إلخ، يعنى ذلك إزالة كافة النصوص التمييزية من القوانين المعمول بها، وأن يكون لجوء المواطن إلى مؤسسات العدالة ميسوراً غير مكلف بالنسبة له، وأن تتوافر معايير العدالة المتفق عليها دولياً فى عمل هذه المؤسسات، أما البعد السياسى: فيتضمن حق كل المواطنين فى المشاركة فى تقرير شئون مجتمعهم سواء من خلال الانتخابات العامة، أو المحلية أو عضوية منظمات المجتمع المدني، ويتطلب ذلك أن يكون هناك سياق مجتمعى مشجع ومحفز على المشاركة العامة، سواء من خلال مؤسسات التنشئة كالمدرسة أو منظمات المجتمع المدنى وإزالة القيود القانونية والعملية المفروضة على عمل هذه المنظمات، والبعد الثالث والأخير هو البعد الاجتماعى، ويعنى حق كل مواطن فى الحصول على فرص متساوية لتطوير جودة الحياة التى يعيشها، ويتطلب ذلك توافر الخدمات العامة للمواطنين، خاصة الفقراء والمهمشين، وإيجاد شبكة أمان اجتماعى لحماية الفئات المستضعفة فى المجتمع، وأن يظل لها صوت فى التأثير على السياسات العامة، وبقراءة الواقع نجد أن أبعاد المواطنة الثلاثة غائبة بشكل أو آخر عن المجتمع.
وفى هذا السياق، فإن هذه دعوة لسن قانون بشأن حقوق المواطنة كنقطة انطلاق أولى، بهدف ترجمة مبدأ المواطنة المنصوص عليه فى المادة الأولى من الدستور إلى تشريعات وقوانين، يشترك فى وضع هذا القانون كافة المعنيين والمتخصصين الوطنيين، على أن يتبع ذلك إنشاء لجنة للمواطنة بمجلس الشعب تضم ممثلين رسميين فى الإعلام والتعليم والأوقاف والأمن وممثلين عن الكنيسة والأزهر والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى، وتضطلع هذه اللجنة بشئون المواطنة كافة، وتكون كفيلة بوضع الحلول العملية للقضاء على عوارض الخلافات الطائفية والمذهبية التى تظهر من حين لآخر، وأية مشكلات مستجدة قد تنشب بين المسلمين والمسيحيين، ونقترح أن تنص بعض مواد قانون المواطنة على "يستحق المصريون جميعاً ودون أى تمييز التمتع بجميع الحقوق المنصوص عليها فى العهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وتشكل جميع هذه الحقوق عناصر لا غنى عنها لمفهوم المواطنة, ولا يجوز حرمان أى مصرى من التمتع بهذه الحقوق تحت أى ظرف من الظروف أو أى ادعاء كان"، و"تمارس جميع حقوق المواطنة على قيد المساواة دون أى تمييز على أساس الدين أو الجنس أو الإقليم أو الجهة أو ادعاءات الأصل أو الثروة أو أى اعتبار آخر".
وأخيراً، فإن المواطنة ليست فقط مجرد من نصوص ومواد قانونية تثبت مجموعة من الحقوق لأعضاء جماعة معينة، بل يشترط أيضاً وعى الإنسان بالمواطنة وممارستها، الأمر الذى يتطلب التربية على ثقافة المواطنة بكل ما تحمله من قيم وما تحتاجه من مهارات، فضلاً عن أهمية قيام رجال الدين المسلمين والمسيحيين بتجديد الخطاب الدينى بهدف نشر ثقافة التسامح بين صفوف المواطنين كافة ونبذ الخطاب المتعصب، وضرورة أن يحترم كل طرف دين الآخر، وتعقد جلسات حوار ومناقشة دائمة ومستمرة وعلانية بين الطرفين للوقوف على الخلافات الطائفية التى تظهر بين حين وآخر لتقويمها والاعتراف بالأخطاء، وتحريم مهاجمة الأديان إعمالاً لنصوص حقوق الإنسان الخاصة بالحفاظ على حرية الفكر والاعتقاد الواردة فى الدستور المصرى والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتى صادقت عليها الحكومة المصرية وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من قانونها الداخلى وفقاً للمادة 151 من الدستور، وتعديل المناهج الدراسية ولاسيما مناهج التربية الدينية لتقوم بتربية النشأ على تقبل الآخر والتعرف على ثقافته، وتخصيص الإعلام المصرى "الإذاعة والتليفزيون والقنوات الفضائية" برامج تنويرية حول ثقافة حقوق الإنسان، وبالأخص ثقافة قبول الآخر، ومناشدة منظمات المجتمع المدنى أن تدرج قضية المواطنة وما يتفرع عنها من موضوعات على برامج عملها بشكل دائم، وذلك لتوسيع دائرة المشاركة الوطنية بالرأى والتجارب والمقترحات.
رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة