على نغمة واحدة يعزف الحزب الوطنى الذى يقود البلد، وتعزف معه المعارضة التى تقول إنها تسعى لإزاحة الحزب الوطنى ورئيسه عن كرسى قيادة البلد، وعلى نفس اللحن يقوم النظام الحاكم وحزبه ومن بعدهما المعارضة بتركيب الكلمات لتخرج أغانى كثيرة كلها تتحدث عن المستقبل الأبيض فى أبيض، والاستقرار الذى يقودنا إلى بر الأمان، ومنح الفرص للشباب الذين هم أمل الأمة، هكذا يغنى علينا كل تيار فيهم، وكأننا "دقين عصافير" أو فى عيوننا بعض من عمى الألوان، ولا نرى الحاضر الذى يلونه سواد دخان التلوث والتخلف والفساد، ولا نشم له سوى رائحة مياه الصرف الصحى المخلوطة بمياه الشرب أو التى تروى لنا ما نأكل من خضار وفاكهة، أو كأن الفرص التى يحصل عليها الشباب من الحكومة أو من الأحزاب والتيارات المختلفة لم يظهر سرها الباتع حتى الآن فى الملايين الذين يجلسون على القهاوى ويتحرشون فى الشوارع، ويغتصبون تحت الكبارى، وينتحرون فى رحلات الهجرة غير الشرعية، أو تشيخ أرواحهم من الهم قبل أن يسجل عداد أعمارهم الرقم 30.
كل هذه الفرص الذى يتحدث النظام الحاكم عن منحها للشباب، وكل هذه الفرص التى تتكلم المعارضة عن توفيرها لشباب مصر لم تكن سوى حبوب للانتحار البطىء خلفت وراءها باعتراف الدولة نفسها ما يزيد عن 6 ملايين عاطل أو 9 ملايين جالس على القهوة كما يقول تقرير البنك الدولى، كل هذه الفرص وكل هذه المساحات التى يتفاخر الحزب الوطنى بمنحها للشباب، قضت على المستقبل السياسى للبلد حينما جعلت 92% من شباب مصر يكفرون بصناديق الانتخاب، على اعتبار أن تقرير مركز دعم وإتخاذ القرار أكد على أن 8% فقط من شباب مصر الذين تبلغ نسبتهم 60% من نسبة السكان هم الذين يشاركون فى العملية الانتخابية.. ومع ذلك فإن النسبة الواعية منهم، النسبة التى شاركت وانتخبت وتظاهرت وهتفت أثارت رغم قلتها قلق أجهزة الأمن والحزب الوطنى، وصنعت رغم محدوديتها تلك الذوبعة التى قلل من شأنها النظام الحاكم، وقال إنها لم تخرج عن إطار الفنجان، بينما منحها الخبراء والمثقفون درجة إمتياز على إعتبار أنها أعادت للحياة السياسية النفس والروح بعد فترة من العيش فى دار المسنين، وأجبروا المعارضة والحزب الوطنى على خوض صراع من نوع جديد اسمه صراع السيطرة على الشباب، فرأينا لهفة جمال مبارك على حضور تجمعات شبابية، وندوات إلكترونية، وشاهدنا كيف انتفض الحزب الوطنى لينفض الغبار عن شبابه ليواجه فيضان شباب الفيس بوك، ورأينا كيف دخل أيمن نور صراعا جديدا بعد الخروج من السجن لركوب موجة شباب 6 أبريل، وكان واضحا للجميع تلك الحرب القلقة الدائرة فى صفوف جماعة الإخوان بسبب شباب الإخوان ومحاولة السيطرة عليهم مرة من قبل التيار الإصلاحى ومرة أخرى من قبل التيار المحافظ الذى يقوده المرشد.
ورغم كل ذلك فإن الواقع يقول إنه لا المعارضة ولا النظام الحاكم يؤمنون حقيقة بأن الشباب هم مستقبل هذا البلد، لا المعارضة ولا النظام الحاكم وحزبه الوطنى يفهمون الشباب، وكيف يفهم أصحاب الشعر الأبيض الذين تعانى عقولهم وقلوبهم من آثار سنوات ما فوق الستين والسبعين، فورة حماس شباب العشرين والثلاثين؟ كيف يفهم من عشق الكراسى وما تمنحه من نفوذ على المدى الطويل، تلك الرغبة الجامحة فى التطوير والتغيير؟ كيف يفهم أولئك الذين ماتت فى عهدهم الحياة السياسية وثورتها وجدلها، هذا الحماس والنشاط الذى دب فى قلب مصر بسبب تلك المناوشات التى يقوم بها شباب الإخوان، أو شباب 6 أبريل، أو شباب كفاية، والإشتراكيين الثوريين، وحتى شباب الحزب الوطنى؟ هل لاحظ هؤلاء جميعا أن 90% من حالة الجدل السياسى المطروحة على الساحة صدرت من هؤلاء الشباب ونمت بسبب تحركاتهم؟
غض بصرك عن مسألة النضج والخبرة والتنظيم وركز قليلا، وستدرك أن تلك الهبة السياسية التى انعشت البلد فى السنوات الأخيرة كان الفاعل الرئسى فيها هؤلاء الشباب.. شباب الإخوان الذين تظاهروا فى الجامعة، وشباب كفاية الذين أعادوا لميدان التحرير شبابه.. وشباب 6 أبريل الذين طوروا المعركة إلكترونيا.. وشباب الحزب الوطنى الذى تحرك ليصد ويرد الاتهامات عن قياداته سواء بالأمر أو التطوع، راجع شريط ذاكرتك جيدا وستكتشف أن هؤلاء الشباب هم الذين حركوا البلد فى الفترة الأخيرة رغم كل القيود التى فرضت عليهم، سوف تكتشف أنهم كسروا الحاجز الأمنى فى الجامعات، والحاجز الفكرى العجائزى فى الأحزاب وانطلقوا للشوارع السياسية ليمنحوها بعض من البريق المفقود، ولذلك حينما تريد أن تسأل عن مستقبل السياسية فى مصر، فلابد أولا أن تقوم بدراسة هؤلاء الشبيبة فى الحزب الوطنى والإخوان والتجمع والوفد والناصرى و6 أبريل والغد وغيرهم ممن فضل الإبتعاد عن التنظيمات والأحزاب وتركز مع طريقة تفكيرهم وكيف ينظر كل منهم للأخر ومدى استعداد كل تيار فيهم للتعاون مع الآخر؟ وكيف ينظرون معا للمستقبل.. وهذا ماسنحاول أن نفعله غدا..
محمد الدسوقى رشدى
مستقبل مصر جلس على كرسى متحرك قبل أن يتعلم المشى (1-2)
الأحد، 21 فبراير 2010 12:50 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة