مفاجآت مثيرة ومعلومات خطيرة تتكشف يوميا حول ملابسات اغتيال القيادى البارز فى حركة حماس محمود المبحوح فى دبى.. أخطر وأهم هذه المعلومات، تلك القصة التى أوردتها صحيفتا "الصنداى تايمز" و"ديلى ميل" البريطانيتان.. الأولى كشفت عن اجتماع تم بين رئيس الموساد مئير دجان ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو، حيث عرض الأول على الثانى خطة الاغتيال، فوقع الثانى على إقرارها فورا، بعد التأكيد على ضرورة نجاح فرقة الاغتيالات بالموساد إجراء التدريبات الكافية على العملية بأحد فنادق تل أبيب.
أما صحيفة "ديلى ميل" فقد انفردت بخبر إبلاغ جهاز الاستخبارات الإسرائيلى "الموساد" نظيره البريطانى " MI6 " بعملية الاغتيال قبل ساعات من تنفيذها، وأن عملاء الموساد سوف يستخدمون جوازات سفر بريطانية.. يضاف إلى كل ذلك المعلومات التى حصل عليها الكاتب البريطانى الشهير "روبرت فيسك" بأن النمسا كانت المحطة الأوروبية التى خطط فيها الموساد للعملية، وهو ما يثبت وجود تواطؤ فاضح من أجهزة المخابرات الأوروبية مع الموساد فى عملياته القذرة.
إسرائيليا، صحفية يديعوت أحرونوت، أعلنت مؤخرا عن اختفاء "مايكل بودنهايمر" أحد عملاء الموساد فى أعقاب نشر صوره بالصحف ضمن المتهمين، الذين نفذوا عملية تصفية المبحوح، بعد أن دخل إلى دبى بجواز سفر صادر فى منتصف العام الماضى عن ولاية كولونيا بغرب ألمانيا.. هروب أو اختفاء أحد منفذى العملية يعتبر بداية لتساقط باقى أفراد فرقة الاغتيالات الشهيرة فى الموساد، خاصة أن اختفاء ذلك العميل تزامن مع تسليم سلطات دبى قائمة بأسماء جميع المتورطين فى تنفيذ الجريمة للشرطة الدولية "الإنتربول"، تمهيدا للقبض عليهم.. سقوط هؤلاء العملاء ومحاكمتهم يعد ضربة قاسمة للموساد لم يسبق أن تعرض لها منذ إنشائه.. هذه التطورات وغيرها مما ستكشف عنه الأيام القادمة يثبت أن سمعة جهاز الاستخبارات الإسرائيلى وصلت إلى الحضيض، بحيث لم يعد هو ذلك الجهاز الخطير القادر على تنفيذ أعقد العمليات دون أن يترك خلفه أدلة قد تدينه، بالإضافة إلى كشف وحرق عملائه، بعد نشر صورهم على الملأ فى كل مكان.
على الرغم من أن اغتيال المبحوح كشف عن مدى التواطؤ بين إسرائيل وأجهزة الأمن الأوروبية، التى اعتادت على التعاون معها وتقديم التسهيلات لعملائها لملاحقة وتصفية خصومه فى الدول العربية. إلا أننى شعرت بالألم واليأس معا عندما أدان الاتحاد الأوروبى إسرائيل على استخدامها جوازات سفر أوروبية فى عملية دبى، وثارت ثائرة المثقفين البريطانيين مطالبين بضرورة محاكمة قادة إسرائيل وكل من عاونهم على ارتكاب جريمة اغتيال المبحوح بهذه الطريقة.. فى المقابل لم يتم إدانة هذا السلوك العدوانى عربيا، كما لم يتم استثمار المأزق الإسرائيلى سياسيًا بالشكل المناسب من الجانبين الفلسطينى والعربى، خاصة بعد أن أصبحت إسرائيل فى نظر الكثير من شعوب العالم، دولة خارجة على القانون.. فقد كانت الفرصة مواتية لحصارها وتعريتها أمام المجتمع الدولى.. وكالعادة ضاعت تلك الفرصة على العرب بسبب غياب الوعى والتنسيق.
إن جريمة الموساد فى مدينة دبى مرشحة لأن تتحول إلى فضيحة سياسية داخل إسرائيل ربما تطيح برئيس الوزراء بنيامين نتانياهو من منصبه باعتباره المسئول المباشر عن كافة نشاطات الموساد الخارجية.. فى نفس الوقت وضعت قادة إمارة دبى أيضا فى موقف حرج أمام الرأى العام العربى.. هذا الموقف فرض عليهم التعامل بصرامة مع الاختراق الإسرائيلى لأمنهم باعتباره عدوانا مباشرًا، يتطلب منهم الرد عليه بحسم عبر كافة القنوات القانونية والدبلوماسية.
أخيرا لقد سلط حادث اغتيال محمود المبحوح الضوء على ثغرات عديدة فى الثوب الفلسطينى يجب العمل على علاجها بحكمة وتأنٍ، لأنه من العار أن يستعين الموساد بعملاء فلسطينيين فى تصفية عناصر المقاومة.. هنا يحق لقادة حماس أن يعيدوا النظر فى إستراتيجيتهم الأمنية، فى ضوء الخلل الجسيم الذى انتهى باغتيال واحد من أهم قادتها العسكريين، كما يحق لقادة المقاومة التعرف عن كثب على دور كافة الأطراف المتواطئة مع الموساد سواء فى الخارج أو الداخل، وتحرى الشبهات التى ترددت حول الدور الذى لعبه رجل المخابرات المثير للجدل محمد دحلان فى تصفية المبحوح.
* رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة