المبدع الحقيقى فى رأيى عليه التزام غير مكتوب تجاه مجتمعه، أن يبذل كل ما فى وسعه لإسعاد من حوله وألا يمنع الناس أن تستفيد مما يمتلكه من طاقات ومواهب، أعرف أن الكثير من الموهوبين بشكل حقيقى فى مجالات الفنون المختلفة والسينما تحديداً يعانون من إحباط فى أغلب الأوقات بسبب الأفكار المسيطرة على أذهان القائمين على صناعة السينما والتى اختزلت السينما خلال السنوات الأخيرة فى وهم الكوميديا الزائفة أو الإسفاف تحت شعار الواقعية وحرية الإبداع، السينما الحقيقية بريئة من أغلب ما يظهر على شاشتها فى الأعوام الماضية، ومثل الكثيرين من عشاق الفن السابع انتظرت بلهفة فيلم داوود عبد السيد الأخير رسائل بحر، والملفت فى هذا الفيلم شأن الأفلام الحقيقية أنها تنسب لمخرجها بمعنى أن كل من يستوقفك أو يناقشك فى شىء يخص الفيلم يقول هل شاهدت فيلم داوود الأخير، ما رأيك فيما قدمه داوود، وهذا فى حد ذاته إعادة الأمر فى جزء منه لأصله الطبيعى، فالسينما أساسها المخرج وهو الأب الشرعى للعمل السينمائى وفى كل العالم ينسب الفيلم للمخرج ولكن لأن الذوق السينمائى فى مصر أفسد عمداً على مدار سنوات بواسطة عدد من الموزعين والمنتجين والفنانين محدودى الموهبة ومنعدمى الثقافة والضمير، فقد أصبح مجرد ظهور فيلم يطبق قواعد السينما الطبيعية الموجودة فى العالم محلاً للاحتفاء والترحيب، وهو ما يعكس حالة الفراغ السينمائى التى نعيشها منذ فترة وتظهر فيها بشائر من وقت لآخر للأسف لا تستمر كثيراً، وقد كنت ممن يعتقدون أن العام الماضى 2009 كان من أفضل الأعوام فى تاريخ السينما الحديثة من حيث عدد الأفلام المتميزة التى قدمت فيه ورأيى أن فيلم داوود الجديد امتداداً لأفلام العام الماضى الممتعة، وأعتقد أن الرسالة الأهم التى وصلتنا من داوود عبد السيد فى فيلمه الجديد المبهر بعيداً عن جماليات النص والصورة، هى التأكيد على أنه ليس من العدل أن يكون بيننا مبدعين حقيقيين يعشقون السينما ويمتلكون هذه الموهبة ونحرم مما يمكنهم أن يقدموه بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع ما يطرحون من أفكار، فليس من المنطق أن يبقى داوود فى منزله تسع سنوات وهناك مخرجون يقدمون أشباه أفلام كل عام، المسئولية مشتركة بين المجتمع وبين المسئولين عن الثقافة، فلا يجب أن يترك الإبداع الحقيقى عرضة للتدمير تحت شعار حرية السوق وأوهام الربح وسيطرة المحطات الخليجية، فإذا خسرت مصر معركة الإبداع الثقافى، فلن يبقى لنا شىء يمكننا أن نستند إليه فى المستقبل.
- بعد أيام تجرى انتخابات التجديد لعضوية الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، وهى إحدى الكيانات الهامة التى ينتمى إليها كتاب ومؤرخو السينما، وهى شأنها شأن الكيانات الثقافية التى ترتبط ارتباطاً وثيقًا بما أطرحه فى الجزء الأول من هذا المقال بشأن الحفاظ على المبدعين الحقيقيين فى السينما المصرية، وقد تابعت برامج وأفكار الزملاء والأصدقاء المرشحين لانتخابات الجمعية وقد لاحظت تميزاً كبيراً فى برنامجى سمير شحاتة وأشرف البيومى وكلاهما له باع فى خدمة النشاط السينمائى، فالأول كاتب مرموق بالأهرام وعضو نشط بالجمعية ويدير نادى السينما بنقابة الصحفيين، والثانى من الكوادر السينمائية الشابة ويدير موقع إخبارى متميز عن السينما العربية ولديه برنامج طموح لإقامة أسابيع سينمائية ومهرجانات متخصصة، بالإضافة لتطوير أدوات ومهارات العاملين فى الكتابة للسينما، كلاهما إضافة حقيقية للعمل التطوعى فى خدمة السينما وسيكون وجودهما فى المجلس القادم إضافة كبيرة للجمعية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة