خالد صلاح

مؤامرة العلاج على نفقة الدولة

الخميس، 25 فبراير 2010 01:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الناس لن تسمح لكم بأن تسلبوا حقها فى العلاج بقوانين ظالمة، والجماهير ستصم آذانها عن سماع تبريراتكم الجوفاء التى تنتصر لأهواء الحكومة على جثث الفقراء من أبناء مصر.

هناك من أراد لى ولك أن نعتقد بإصرار أن منظومة العلاج على نفقة الدولة، تمثل مرادفا للفساد والمحسوبية والتحايل الذى لا يمكن السكوت عليه، بعد ما جرى داخل مجلس الشعب من الكشف عن أسماء، حصلت على ملايين الجنيهات لعلاج المحرومين البسطاء من أبناء دوائرهم الفقيرة.

وهناك من أراد لى ولك أن نشك فى طرق الإنفاق، ووسائل الحصول على قرارات العلاج للمساكين والمحتاجين الذين يتسولون قليلا من الدعم لمحاربة المرض، حتى نصرخ محتجين فى النهاية: (أوقفوا هذا الفساد إلى الأبد)، وحاربوا قرارات العلاج على نفقة الدولة بلا رحمة أو هوادة.

وفى هذه اللحظة، سيخرج من أراد لنا الوصول إلى كل هذا الغضب ليقول ببساطة: حسنا، الحل جاهز هنا فى الأدراج، والسيف الذى يقطع رقبة هذا الفساد بين أيدينا هنا فى قانون التأمين الصحى الجديد الذى تستعد الحكومة لإقراره داخل مجلس الشعب، وعند هذا الحد لن يستطيع رجل واحد داخل مجلس الشعب أن يتكلم، ولن يستطيع هؤلاء الذين تلاحقهم الآن تهمة إهدار أموال العلاج أن يتنفسوا أو يحتجوا أو يعارضوا بندا فى المشروع أو نصا فى القانون الجديد.

لا أستطيع هنا استباق نتائج التحقيقات التى تجرى داخل مجلس الشعب حول هذا الإنفاق الهائل فى قرارات العلاج على نفقة الدولة، ولا يمكننى الجزم إذا ما كان النواب قد أحسنوا استغلال هذه الأموال لصالح الناس أم لصالح أنفسهم، فهذه قضية يحسمها تحقيق مستقل وعادل من السلطات المختصة، ولكن كل ما أستطيع حسمه أن تسريب هذه المعلومات الآن فى هذا التوقيت، وما صاحبه من فوضى خلاقة فى الصحف ووسائل الإعلام، يمكن أن يقودنا بسهولة إلى تمرير قانون التأمين الصحى الجديد بلا نقاش أو مجادلة، فى حين أن هذا القانون يجب أن يخضع لفحص شديد الدقة، ومراجعة مخلصة ومستقلة لله، ثم للوطن والناس، والفقراء من الناس على وجه الخصوص.

لا ينبغى هنا أن ننجو من فساد وإهدار وتراجع فى الخدمات الطبية والعلاجية والتأمينية كما هو الحال اليوم، لنجد أنفسنا قد سقطنا فى بئر سحيقة، تحرم الفقراء من حقوقهم فى العلاج المجانى، وتنقل ثروات التأمين الصحى من أيدى الدولة إلى خزائن المستشفيات الخاصة باسم القانون، وباسم الإصلاح، وباسم تطوير الخدمات الطبية.

قانون التأمين الصحى الجديد، ينبغى ألا يصدر تحت ضغط هذه الأجواء المرتبطة بقضية العلاج على نفقة الدولة المتفجرة داخل مجلس الشعب، ولا يجوز أن يجرى طرحه فى أعقاب هذا الظرف الاستثنائى، ودون الانتهاء من كل تحقيق ممكن لإعلان مسارات الأموال التى جرى إنفاقها من قبل النواب، فالقانون ترتبط به مصائر الملايين من المحتاجين من أهل مصر، والشكوك فى طرق تطبيقه بالغة الخطورة، وكل التطمينات التى يعلنها السيد وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلى، لا تقدم إجابات شافية على كثير من الملاحظات التى يطرحها منتقدو هذا القانون، ومن ثم لا نريد لجوقة الدعاية الحكومية الرسمية، أن تنطلق الآن لتسويق قانون التأمين الصحى، لنجد أنفسنا فى مواجهة مأزق سياسى وجماهيرى، كهذا الذى أحدثه قانون الضرائب العقارية، ثم نضطر مجددا أن نلجأ إلى الرئيس لإلغاء القانون أو تعديله.

لا أظن أن الدكتور حاتم الجبلى جاهز سياسيا لصدمة من هذا النوع، فالرجل لا يمتلك هذا البرود السياسى الذى يتمتع به يوسف بطرس غالى، كما أن مشاعره ليست خشنة بنفس مستوى مشاعر وزير المالية الذى لا ينتمى إلى الشارع، ولا يعترف بالعاطفة، ولا تمثل كلمة العدالة الاجتماعية، والاستقرار الوطنى، أى معنى فى مفرداته السياسية.

ولا أظن أن الناس أيضا جاهزون لتلقى المزيد من الصدمات التشريعية التى تؤكد لهم أن هذه الحكومة تضعهم فرادى وجماعات تحت رحمة مقصلة إعدام قانونية، لا ترحم فقرهم وضعفهم، وتستقوى عليهم بالقوانين الظالمة التى تحرمهم من السكن والعلاج والخدمة التعليمية، وتجعل كل حق إنسانى وطبيعى فى بلد فقير كبلدنا، مكبلا بسداد فواتير باهظة لا تقوى عليها الغالبية العظمى من سكان مصر، وكل ذلك مقابل المزيد من المليارات المضروبة فى الموازنة العامة للدولة.

لا تسمحوا لقانون التأمين الصحى بالمرور فى هذه الأجواء، ولا تسمحوا لبنود هذا القانون أن تضعكم وجها لوجه مرة أخرى ضد مصالح الناس، فالناس تصم آذانها الآن عن تبريراتكم الاقتصادية والمالية المختلة، والناس تغمض أعينها، حين تطلون عليهم بتشريعاتكم التى تسلبهم كل ما يستحقونه من رعاية.

لا أحب أن يتورط الدكتور الجبلى فى مواجهة غير محسوبة مع الناس، ولا أظنه يمكن أن يعصف بكل جهوده فى تطوير وزارة الصحة فى معركة غير مأمونة العواقب، ضد مصالح المحتاجين من أبناء هذا البلد، ولا أظنه شريكا فى أى نوع من المؤامرات السياسية التى سربت تقارير العلاج على نفقة الدولة ضد النواب فى مجلس الشعب، ليصنع هذه الأزمة الطاغية، ويمرر القانون على هوى الحكومة، وعلى جثث المرضى والفقراء فى مصر.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة