حنان كمال

حيلة البرادعى

الجمعة، 26 فبراير 2010 07:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الزيبق طلع شخصية حقيقية يا رجالة، إنه على الزيبق الذى هو أحد أبطال السيرة الشعبية، اكتشفت اليوم أنه كان شخصا حقيقيا من لحم ودم، وأن ابن أثير يذكره بالاسم ويؤكد أنه تولى السلطة فى مصر سنة 444 هجرية.
كان التلفزيون المصرى يعرض مسلسل عبد الله النديم، وأنا كنت طفلة صغيرة أحببت النديم كثيرا، أحببت بطولته، وبكيت عليه كثيرا وهو هاربا مطاردا.. كانت الثورة العرابية تواجه فشلها الذريع، وكانت مصر يتسلمها الاحتلال البريطانى ليجثم على صدرها أكثر من ثمانين عاما، بعدما انتهى عرض النديم بدأ بث حلقات مسلسل على الزيبق، ووجدتنى أحب الزيبق أكثر، أحب بطولته، وتبهرنى ألاعيبه مع السلطة الظالمة، وتعجبنى حيلته التى تهزم جبروتها، وجدت عقلى الصغير مشغولا بالمقارنة، بين البطولة المهزومة للنديم، والحيلة الفاعلة للزيبق.. وانحزت وقتها لحيلة الزيبق بلا تردد..
هكذا نحن المصريون، نتعاطف مع البطل، لكننا نحب صاحب الحيلة، إذا كنت لا تصدقنى راجع قصة موسى وفرعون.. والكهنة الذين آمنوا بعدما رأوا حيلة موسى (معجزته.. الحية التى تلقف ما يأفكون).. أحب النديم.. لكننى أنحاز أكثر لعلى الزيبق.. وأعطى صوتى للبرادعى لأننى أصدق.. أنه صاحب حيلة.
أنت تفهمنى جيدا، ولست بحاجة إلى أن أشرح لك أن الحيلة التى أقصدها هنا ليست ألاعيب الشطار، ولا سحر السحرة ولا معجزات الرب التى أهداها لموسى، الحيلة التى أتصور أن البرادعى يملكها هى القدرة على الفعل والنفاذ عبر هذا الواقع السياسى المصمت، ولست بحاجة إلى أن أشرح لك أن الآمال التى أعلقها على البرادعى لا تنفى دورا هاما وفعالا للشعب المصرى، أكبر من كل الأدوار التى اعتادها، دورا فى دعم البرادعى إذا قدر له أن يختاره قائدا، ودورا فى الرقابة الدائمة على البرادعى مرشحا أو رئيسا، فقد انتهى عصر التوكيلات التى هى للأبد. أنكم تعلمون، لكن لزم التنويه.
يتصور المصريون كثيرا أنهم شعب قليل الحيلة، فيستسلمون للقدر.. نمارسه سلوكا فرديا وجماعيا.. حتى أننا نعيش حياة سياسية قليلة الحيلة ونرضى بها، أحزابا وحركات وجماعات يجمعها كلها أنها تملك كثيرا من النوايا الطيبة، وأحلاما بالتغيير وتداول السلطة، وسيادة القانون.. طموحا لدولة الحق والعدل.. لكنها لا تملك لتحقيق هذا إلا مظاهرات كفاية، واعتصامات 6 أبريل، ومؤتمرات أيمن نور.. واحتجاجات الأغلبية الصامتة المنكفأة على تحصيل الخبز والغاز، هل أنا متفائلة إذ أننى أشعر أن دخول الدكتور محمد البرادعى المعادلة السياسية المصرية سوف يخرجنا من عصر قلة الحيلة ومصمصة الشفاة.. دعنى أتفاءل قليلا، فالمتشائمون لا يغيرون قدرهم.
أعلق أمالا كثيرا على البرادعى، ليس لاتزانه وثقافته ووعيه بالديمقراطية، فهى أشياء قد تجعلنى أعطيه صوتى بهدوء فى انتخابات نظيفة، وقائمة على أسس دستورية تتيح تداول السلطة وتمنحه حقه كمواطن فى الترشح فى الانتخابات الرئاسية، وبما أن الصورة ليست هكذا، ونحن أمام معادلة مغايرة، إذ نحتاج لتغيير الدستور، أو للالتفاف على الدستور، نحتاج آليات للحركة تختلف عن كل ما جربناه على مدى عقود، وتحديدا عن كل ما جربناه فى العشر سنوات الماضية والذى قامت به مشكورة حركتى كفاية و6 أبريل، فأنتج حراكا محدودا فى الحياة السياسة وانتهى، نقطة ومن أول السطر.
خاض البرادعى معاركه السابقة بصفته رئيسا لهيئة الطاقة الذرية مع القوى الأكبر فى العالم، ورفض الإذعان لأكاذيبها بوجود أسلحة دمار شامل فى العراق، وردا على موقفه المستقل حاولت الولايات المتحدة عرقلة ترشحه لرئاسة المنظمة لفترة ثالثة، بالدفع برئيس الوزراء الأسترالى الكسندر كونر وقتها بالترشح أمامه، وخاب مسعاها، قامت أيضا بالتنصت على هواتفه حسب فضيحة فجرتها الواشنطن بوست حينها، وخرجت خالية الوفاض، فالرجل أنظف من تمارس ضده أى من ألعاب السياسة القذرة، عزيزى البرادعى، أنا أثق بك كثيرا، لكن ابتسم أنت فى مصر.. المعادلة تختلف تماما.
سيمارسون ضدك كل ما يمكن من الترهيب والترغيب.. حتى هنا أنا أثق بك، سيحاولون إفساد المحيطين بك، حتى هنا وأنا أثق بك أيضا، سيحاولون فض الناس من حولك، حتى هنا وأنا أثق بالناس، سيحاولون أخيرا ترك حركتك تموت موتا ذاتيا وهو تكنيكهم المفضل الذى ينجح دائما، وبما أن أبواب الدستور مغلقة، وبما أنك قانونا مقيد اليدين لا تملك مؤهلات للترشح ترضى المادة 76، وبما أنك رجل قانون ستحترم هذا القانون، وبما أنهم من السهل أن يدعون أنك تمثل قلة مارقة، فسيراهنون كثيرا على أن ينتهى الحال بالحركة إلى أن تقتصر على مظاهرتين، ومجلس حكماء، وبيان للأمة، ودمتم، سيعولون يا برادعى على أن نغرق نحن فى أحلام العصافير لبرهة من الوقت فيما هم يمارسون أحلام التماسيح حتى انتخابات العام القادم، عزيزى البرادعى، هذا هو الكابوس الذى ستخبرنى أنه لن يتحقق.. أليس كذلك؟؟
وجود البرادعى فى الصورة ألهم شبابا مصريين بتحرك جديد تماماً على الحياة السياسية المصرية، ألا وهو حركة التوكيلات باسمنا التى لو نجحت قد تمكنه من تغيير الدستور بشكل لا يتصادم مع القانون، وهو ما يعيدنا لأجواء ثورة 19، حيث كانت المرة الوحيدة فى تاريخ مصر التى يفرض فيها الشعب إرادته عبر حركة شعبية جماعية، أنا أتصور أن وجود البرادعى كفيل بأن يفرز أشكالا جديدة من الحركة قادرة على تحقيق التغيير.. بركاتك يا برادعى.

ربما هو من المبكر، أن أعتب على البرادعى أنه لم يدخل بعد فى صلب آليات التغيير المبتكرة، ربما أكون متوجسة أكثر من اللازم، كشأن الذى أتلسع من الشوربة.. وليس لديه وقت يضيعه فى النفخ فى الزبادى، ربما يكون مبكرا أيضا أن أقول له ألا يعول كثيرا على فكرة أنه لن يصطدم مع النظام، فالصدام قادم قادم، ومعركة التغيير لن تكن سهلة بالمرة، ولن يكون طريقنا ممهدا، الفارق الوحيد بوجود البرادعى، أنه ممكن، ألم أقل لكم أننى فرحت كثيرا حينما قرأت أن على الزيبق كان شخصية حقيقية، وأنه تولى حكم مصر سنة 444 هجرية، قول إن شالله.
* كاتبة مصرية مقيمة فى دبى









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة