منذ سنوات ونحن نسمع ونقرأ ونشم التصريحات والمصطلحات التى تتحدث عن إعادة هيكلة الاقتصاد، والزراعة، مع هيكلة للتعليم، والصناعة.. وهيكلة كل الهياكل غير المهيكلة. وقد تعرض المصريون واقتصادهم واجتماعهم وصحتهم، لعدد غير محدود من محاولات الهيكلة، ضاعفت أعداد العاطلين، ودهورت أحوال المستشفيات، وقهقرت الصناعة وعقدت الإسكان ووزعت الأرض المدعمة على المسقعين.
ومازال الجدل مستمرا: هل نفضل الدعم العينى أم النقدى؟ وهل ننتج الرغيف أبوشلن أم نجعله بجنيه؟ وهل نستخدم الابتدائية أم سنة واحدة أم الابتدائية أم ثلاث عيون وفرن؟ وهل نعيد الضرب للمدارس، أم نكتفى به فى أقسام البوليس؟
أهم نتائج الهيكلة التكيفية أن وزير الإسكان السابق الدكتور مهندس محمد إبراهيم سليمان وزع أراضى الدولة بالتخصيص على عدد من كبار المهيكلين، وماتزال جهات التنحقيق تعجز عن الإحاطة بالقضية، ومع وجود اتهامات وقرارات وشركات، يبدو أن أجهزة الرقابة والمتابعة والتحقيق لن تصل لشىء بسبب اختفاء أحراز القضية التى تضم عدة ملايين من الأمتار المربعة، يبدو أنها تم تهريبها للخارج من قاعات كبار الزوار، وسوف تبقى قضية الدكتور سليمان أحد أغرب القضايا لكونها كانت تدور على الهواء وبالقانون المنتج خصيصا للهيكلة.
نفس الهيكلة التى دفعت لبيع عدد من الشركات، وتركت عمالها يواجهون مصيرهم هيكليا، ومنها شركة طنطا للزيوت والكتان التى باعتها واحتفظت بمفتاحها معها، وتركت عمالها فى العراء، وتوقفت عن تقديم أى خدمة لهم أو لغيرهم، وتركتهم ليواجهوا مصيرهم الهيكلى أمام مجلس الوزراء، وربما يدخل الصيف لينتقل العمال إلى الإسكندرية ليواصلوا اعتصامهم ومطالبتهم بحقوقهم التى أكلها المستثمر وطار.
ولعل أحد أهم منتجات الهيكلة قصة الصكوك التى أعلن عنها وزير الاستثمار منذ عام وماتزال تراوح نفسها، وينتظر المواطنون صكوكهم، ليبادلوها بأرغفة خبز وأنابيب بوتاجاز.
ومن أبرز سلع «الهيكلة» إبداعا، هو ما وصلت إليه الخدمة الصحية، حيث تحول العلاج على نفقة الدولة من استثناء إلى قاعدة، تماما مثل انقلاب القطارات، واندماج العشوائيات بالمناطق السكنية الراقية. ومع أن قانون التأمين الصحى أحد أهم خصائص الهيكلة فقد اكتفت الحكومة بعرضه على مجلس الشعب عشرين عاما، وتنوى استمرار عرضه فى دور العرض طوال العقد القادم، بنجاح ساحق، التزاما بقاعدة الهيكلة المرضية للمواطنين.
أسهل طريق للهيكلة أو إعادة الهيكلة أو تضييع المشكلة، هو اختراع لجنة أو هيئة أو لعبة، يمكن أن نتسلى بها حتى ننسى، تصريحات ووعود مصحوبة بتصفيق حاد، لتظهر اللجنة إلى العلن ويتم إطلاق بعض التصريحات، ثم تعود الحكومة إلى قواعدها سالمة مع مراعاة فروق التوقيت..
وآخر الاختراعات ما أعلنت عنه الحكومة الأسبوع الماضى عن طريق «وزارة اللجان» حيث بشرت بتشكيل لجنة عليا للبعد الاجتماعى، لتنضم إلى زميلاتها لجان الاقتصاد والتصدير والخصخصة، وباقى طاقم لجان التصريح والإعلان. أما سبب إنشاء اللجنة فهو إعادة هيكلة الدعم، وضمان وصوله إلى مستحقيه. والحقيقة أن حكومة الدكتور أحمد وقبلها حكومة الدكتور عاطف أعلنت أنها تريد إنهاء الدعم المرفوع أصلا من الخدمة. وكلما سمع المواطن عن إعادة الهيكلة يضع يده على رغيفه، فإعادة الهيكلة الاقتصادية انتهت إلى إعادة هيكلة عظمية للبشر.
الدكتور أحمد رئيس مجلس إدارة الهيكلة قال إن الحكومة ستعمل على إعادة هيكلة الدعم لضمان وصوله إلى الفقراء والمستحقين، وقال منذ خمس سنوات.
إن التعامل مع قضية الدعم يحتاج إلى سنوات، وربما يتم إنفاق نصف الدعم من أجل دعم شركات إعادة الهيكلة العظمية، والبعد الاجتماعى الإلكترونى، والشىء لزوم الشىء.