اعتاد الرئيس السورى الشاب بشار الأسد منذ وصوله إلى الحكم فى سوريا خلفا لوالده الراحل حافظ الأسد استخدام لغة تتضمن قدرا كبيرا من السخرية المبطنة إلى جانب الغمز واللمز بحق أغلب الحكام العرب.. هذه اللغة البليغة نظرياً تدغدغ مشاعر الشعوب العربية المكبوتة لكنها فى الوقت نفسه تستفز القادة والزعماء خاصة أنها تصدر عن أصغرهم سناً وخبرة، فتثير لديهم الأحقاد وتعمق الفجوة القائمة أصلاً بينه وبينهم.
إذا كانت البرتوكولات والظروف تفرض على السياسى أن يتسم بالمرونة ومحاولة البحث عن أكبر عدد ممكن من الحلفاء طوال الوقت فإن سوريا التى تتعرض لضغوط دولية وتهديدات إقليمية فى أمس الحاجة لهذه المرونة أكثر من غيرها لتحصين رئيسها من التقلبات السياسية المفاجئة بالمنطقة التى لا يقوى على مواجهتها بمفرده بدون غطاء عربى قوي.. وبالرغم من أن هذا الغطاء من واقع كل تجاربنا السابقة لا يسمن ولا يغنى من جوع ولن يستطيع درء أى عدوان محتمل على سوريا.. لكن مجرد وجود علاقات طيبة بين الرئيس الأسد وأقرانه العرب سيوفر الحد الأدنى من التضامن الذى تحتاج إليه بشدة القيادة السورية فى هذه الفترة بالذات .. فهذا التكاتف العربى قيادة وشعبًا، يعد ظهيرًا ضر وريًا لدعم جبهة دمشق الداخلية ورفع روحها المعنوية للتمسك بالثوابت التى حددتها لقبول أى تسوية سلمية شاملة مع إسرائيل فى المستقبل.
لن أنكأ جراح القادة العرب التى خلفتها كلمات الرئيس بشار القاسية عندما وصفهم فى إحدى خطبه بـأنهم "أنصاف الرجال" ولا أرغب فى فتح ملفات قديمة أوشكت أن تموت مع مرور الزمن على أطلال الخديعة والوهم القومى حيث دفعت سوريا ثمناً باهظاً بسبب مغامرات بل أحياناً"مؤمرات" بعض القادة العرب الذين اختاروا السير فى طريق السلام الفردى المزعوم.
ما أود التركيز عليه حالياً أن الأخلاق العربية وصلات الدم والأخوة تفرض على الشعوب العربية عدم التخلى بأى حال من الأحوال عن الشقيقة سوريا،أوتركها تقف بمفردها فى مواجهة عواصف من الضغوط الدولية العاتية التى لا تتوقف عند التهديدات الإسرائيلية الوقحة التى طالت القيادة والشعب السوري.. فالصمت على تلك التهديدات من جانب العرب سيكون جبناً وإغراءاً لمن أطلقوها فى تل أبيب لتوسيع دائرة إرهابهم والتمادى فى إبتزاز أطراف عربية عديدة.
بالطبع أحترم اختيار سوريا بكامل إرادتها الوقوف إلى جانب دعم المقاومة من لبنان إلى غزة واحتوائها قيادة حركة حماس التى مازالت تتمسك بخيار المقاومة.. هذا الاختيار وضعها بشكل تلقائى فى صفوف فريق "الممانعة" إلى جانب كل من إيران وقطر ولبنان،بينما باقى الدول العربية تقف على الضفة الأخرى للنهر فيما يسمى بفريق "الاعتدال" الذى تتزعمه مصر والمملكة العربية السعودية.. بهذا التصنيف أصبح العالم العربى للأسف منقسم إلى فريقين يسير كل منهما فى الاتجاه المعاكس وفقاً لأجندات خاصة معلنة أو خفية.. فيما يمضى المحتل فى طريق تنفيد مخططه الدنىء لتهويد القدس وتحدى العالم ببناء مزيد من المستوطنات على الأراضى العربية ،ويشدد حصاره وعدوانه غير الإنسانى على شعب غزة الصامد.
لقد تابعت المؤتمر الصحفى الذى عقداه الرئيسان السورى والإيرانى خلال زيارة الأخير لدمشق بمناسبة المولد النبوى الشريف،وشعرت بأن هناك فارقاً كبيراً بين سوريا وإيران.. ولاحظت أن الرئيس الأسد ألقى بكافة أوراقه فى السلة الإيرانية، وبالرغم من أن طهران كانت هى القوة الإقليمية الوحيدة فى المنطقة التى تقدمت وأعلنت تضامنها ودعمها لحليفتها سوريا ضد تهديدات وزير الخارجية الإسرائيلى المتطرف إفيجادور ليبرمان.. هذا الموقف الإيرانى المحمود يحسب لها لكن يجب أن يتذكر الرئيس بشار أنه مهما خلصت النوايا الإيرانية لمساندة بلاده، فلن تحل أبداً محل الدعم والمساندة العربية.. فالجميع يعلم أن قوة سوريا وصمودها لا يكتمل إلا بالمؤازرة العربية الصادقة،وهذا لن يتحقق إلا لو تخلى الرئيس السورى عن نبرة التحدى والاستهزاء التى يستخدمها دائما ًفى خطاباته العامة بحق القادة العرب،وسعيه لفتح صفحة جديدة معهم مهما كانت مواقفهم،حتى يتمكن من تحقيق أهدافه ، وبذلك يضمن عدم خسارة معاركه القادمة مع عدوه المتربص لأن توابع أى خسارة سورية ستدفع ثمنها الأمة العربية بأسرها.
* رئيس قسم الشئون العربية بمجلة روزاليوسف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة