تخيل هذا المشهد: الدكتور نظيف يطرح الثقة فى الحكومة، ويعلن فى مؤتمر صحفى أن الحكومة وإن تتخذ كل السبل للوصول إلى قرارت تحقق مصلحة الشعب إلا أنها لم تنجح فى إرضاء جميع نوابه فى مجلسه الموقر وإقناعهم بصحة قراراتها، ومِن ثم تترك الحكومة فى يد الشعب ونوابه قرار تجديد أو سحب الثقة منها. المشهد الثانى تحت قبة البرلمان: أبرز نواب المعارضة يلوم رئيس الوزراء على طرح الثقة، ويقول إن القضية تتركز فى مبدأ الشورى والنقاش ولا تُختزل فى أشخاص؛ »لا نريد سحب الثقة منكم ولكن نريد ضمانات لتبادل الآراء المختلفة، تُتخذ القرارات على أساسها«. لم أكن أتأمل مياه النيل ساعة الغروب ولا أستمع إلى موسيقى هادئة فى ضوء الشموع عندما راودنى هذا المشهد الرومانسى أو السيريالى. راودنى حلم اليقظة هذا فى وسط مشهد واقعى.. حوار تليفزيونى عن قرار مجلس إدارة نادى الجزيرة المصرى تجديد ملعب التنس الرئيسى الذى أدى الخلاف حوله إلى إعلان المجلس طرح الثقة، وقد أخرجت مداخلات المشاهدين موضوع الملعب الذى شهد أقدم بطولات التنس فى العالم منذ 1904، من أسوار النادى إلى أملاك الشعب. جاء الضيوف فى جاهزية رفيعة، كلٌ مستعد بالأوراق والمستندات والمواد الفيلمية، للدفاع عن وجهة نظره.
بطل التنس المصرى العالمى اسماعيل الشافعى الذى مازال اسمه بين ألمع نجوم مصر، والمهندس عمرو جزارين نائب رئيس مجلس إدارة نادى الجزيرة السابق دافعا بكل حزم عن إبقاء الملعب على ما هو عليه، وهاجما وبكل قوة وجهة نظر مجلس الإدارة فى ضرورة تحويله إلى صالة مغطاة تخدم أبناء النادى فى ممارسة عدة ألعاب رياضية. أما نجل الأديب المصرى عبد المنعم الصاوى ومؤسس أحد أهم الملتقيات الثقافية فى مصر »ساقية الصاوى«، فكان اللاعب الآخر فى تلك المباراة الحوارية التى لو رأينا مثلها فى مجلس الشعب لتغير حال البلد. كان الهجوم والدفاع من كل طرف ثابتاً قوياً حاسماً دون المساس بشخص الطرف الآخر أو محاولة مصادرة رأيه أو استسهال ضربه ضربات قاضية فى عِرضه وسمعته كما يحلو للكثيرين فعله فى مشهد مصر السياسى. دافع كل طرف عن التراث ومصلحة الأعضاء وإن اختلفت ركائز وجهتى النظر، فكان سهلاً على المستمع أن يُصدق أن المتحدث يدافع عن المصالح العليا للأعضاء (على وزن الدفاع عن المصالح العليا للمواطن ومحدودى الدخل، مع اختلاف نسبة الصدق فى المشهدين) كان من الواضح أن مجلس الإدارة قرر طرح الثقة درءاً لأى شبهات قد تُثار حول سلامة قراراته أو أى تشكيك فى ذمة أعضائه، وقابل ذلك الترفع رقىٌ من المعارضة عندما تساءل المهندس عمرو جزارين: «ليه يا محمد (الصاوى)؟ ليه حوّلتوها لأشخاص؟! أنا شخصياً لا أريد سحب الثقة منك ولكن نريد حوار!». أعود إلى المشهد الخيالى فى بداية المقال.. مشهد لا يتحقق إلا فى حكومة الصاوى ومجلس جزارين أو أمثالهما. وهنا يجب أن أوضح، حمايةً لهما، أننى لا أرشح أشخاصا لمناصب ولكن أُرشح فكرا وأسلوب إدارة من باب الخيال.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة